أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قيصرية!

في روايته "سيزيرين" يأخذنا الدكتور خالد ذهني في رحلة استكشافية مؤلمة، إلى عمق المجتمع العربي، تشبه العمل الجراجي الذي لا بد منه أحيانا لشفاء المريض. ففي رحلة استغرق زمنها أربع سنوات، وكتبها في (٥٦٣) صفحة، لم يترك طبيب النسائية زاوية مظلمة من زوايا المجتمع إلا وسلط عليها ضوءا قويا ينبعث من عقله النقدي القوي وتجربته الحية، فكانت الرواية شهادة مميزة عن كل ما ينخر مجتمعاتنا العربية من أمراض فكرية ودينية قبل الأمراض الجسدية التي هي نتاج لتلك الأمراض. وإذا كان صحيحا أن المرأة التي تشكل نصف المجتمع، إلا أن هذا النصف يحتوي كل أمراضه، وهذه ما تابعها دكتور ماهر في التشخيص؛ سياسيا وتعليميا وثقافيا وصحيا ودينيا، ولم يترك أي جانب من جوانب الحياة ألا وقد لامسه مبضعه وخاصة عالم النساء، "ففي عالم ذكوري مهووس بأوهام الشرف والفضيلة، تُوضع المرأة في موضع الاتهام المستمر، وتُجبر على الخضوع لعمليات تشويه عمدي لجسدها ومن ثم لروحها".

في رواية "سيزيرين"، ترد قصة عن سيدة شابة اسمها "وردة" تدخل إلى المستشفى النسائي الذي يعمل به، تشكو من نزيف رحمي، تبين أنه ناتج عن أورام ليفية حميدة وجدت طريقها إلى تجويف الرحم، بعد الفحص، يقول لها الطبيب إنها بحاجة لعميلة استئصال الأورام دون استئصال الرحم، لأن السيدة ما تزال شابة، ولكن مع ذلك لا بد من توقيع تعهد تقبل فيه باستئصال الرحم إذا كان هناك طارىء يستدعي ذلك، فترفض السيدة التوقيع على احتمال استئصال الرحم قبل سؤال ابن حماها. وعندما استغرب الطبيب ما قالته المريضة، سارعت إلى شرح ما أوجزت قائلة: إن لزوجها ثلاثة إخوة، اثنان منهم قد تزوجا وظهر عندهما مرض يمنع زوجتيهما من الحمل، فكان لا بد لها من تعويض هذا النقص بأن تحمل هي ويتم تسجيل الولد الجديد على اسم عمه، وقد أنجبت للعمين العاقرين أربعة أولاد، اثنان لكل منهما، ولم يبق إلا الأخير الذي سيتزوج قريبا، لذلك لا بد من سؤاله قبل إجراء العملية، وإذا لم أفعل ذلك فإن حماتي أم ابراهيم ستزعل مني، فهي التي تقول: احبلي ياوردة، فأحبل..

هذه القصة ليست رمزية، هي حقيقية بكل تفاصيلها ومرارتها وتتكرر يوميا، وخاصة في سوريا الأسد، فقد حول نظام الأسدين سوريا إلى مفرخة بيض، أو مزرعة لإنتاج كل أنواع البشر العبيد، ولهذا عندما اندلعت الثورة، قال النظام "لسميرته" احبلي يا سميرة بالطائفية والطائفيين، فحبلت سميرة بما أرادت بثينة شعبان. وعندما اكتشف جهاز الأسدين أن الولادة الطائفية أنجبت كائنا ضعيفا، تم توجيهه الأمر من جديد إلى "سميرة" كي تحبل من جديد سلاحا يذبح السوريين. وهكذا توالت أوامر الحبل والإنجاب، إلى أن قرر أخيرا المجتمع الدولي إجراء عملية استئصال "للأورام" من رحم سوريا، فتم عقد جنيف واحد، وجنيف2، وسيطلب من الجميع: سميرة والزوج وابن الحمي، وربما العشاق الافتراضيون التوقيع على وثيقة يسمحون للأطباء الدوليين بموجبها استئصال الرحم بكامله، حرصا، كما يقولون، على حياة المريضة. أما بعض البسطاء في سوريا، فسيحبلون دائما على طريقة، أم إبراهيم، التي قدمت لهم الحل بعفوية، ومنطقها: إذا كان أهل البيت سيقتسمون لقمة عيشهم وشربة مائهم وسقف دارهم، فلم لا يتقاسمون الذرية؟
"واحبلي يا وردة" فتحبل وردة. 

(151)    هل أعجبتك المقالة (135)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي