أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المخابرات، مرة جديدة

وكأن قدر السوريين أن تحصي المخابرات أنفاسهم أينما كانوا. فبعد أن كانوا متهمين من قبل نظام الأسد، أصبح العالم كله ينظر إليهم كإرهابيين، أو في أحسن الأحوال، كإرهابيين محتملين، يهددون أمن العالم، هذا العالم الذي لم يستطع أن يرى في ملايينهم المشردة ضحايا عنف نظام الأسد، وإنما ضحايا حرب أهلية كي يسقطوا عن أنفسهم تهمة الاستهتار والصمت عن أكبر فضيحة أخلاقية في العصر الحديث، وكان لا بد لهذا العالم أن يحتاط من تداعيات الحرب السورية، فيأخذ في مراقبة السوريين في كل مكان في العالم، وما حصل معي، أنا البعيد عن سوريا منذ ما يقارب ربع قرن، هو جزء مما يحصل مع الكثير من السوريين في بلدان الغرب الأخرى.

قبل حوالى الأسبوع، زارني في محلي شخصان، ما إن دخلا حتى سلمّا علي كما يجب، ثم طلب أحدهم معرفة ما إذا كنت ميخائيل سعد، فقلت نعم، أخرج عندها من جيبة "البلاك" المعدني الذي يشير إلى الجهة الأمنية التي يعمل لها، وقدم اسمه، وسأل إذا كان وقتي يسمح لي بالتحدث معهما لعدة دقائق، فوافقت. حاول أحدهم أن يشرح لي أن واجب الدولة الكندية هو حماية مواطنيها من كل ما يمكن أن يصيبهم من أضرار، وخاصة من أعمال إرهابية محتملة. قلت له: يمكنك اختصار هذه المقدمة، فأنت هنا لأنني سوري، وبسبب الإبادة التي يتعرض لها الشعب السوري، والتي تتغاضى عنها حكومتنا الكندية كغيرها من دول الغرب، فماذا تريد أن تعرف؟
سألني عن أحد أقرب الأصدقاء، والذي افتخر بصداقتنا الممتدة على مساجة زمن وجودي في كندا، وعن إمكانية علاقته بالإسلاميين المتطرفين أو الجهادين، فسخرت من هذا الاحتمال ونصحته أن ينقل رأيي إلى المسؤولين بضرورة إقفال هذا التحقيق، وأن لا ترتكب أجهزة المخابرات الكندية خطأ آخر كالخطأ الذي ارتكبته بحق السوري "ماهر عرار"، لمجرد أنه مسلم مؤمن، وكلف الخزينة الفيدرالية عشرات الماليين من الدولارات، فوعد خيرا وأنه سيوصل شهادتي وشهادة غير من السوريين، إلى المسؤوليين، وقبل أن يغادر الرجلان، قال أحدهما إن أجهزة المخابرات الكندية تخضع للقانون، وهي ليست فوق المحاسبة إذا أخطأت.

بعد أن غادر رجال المخابرات محلي، عدت في ذاكرتي إلى لحظات اعتقالي، في المرتين: المرة الأولى جاءت دورية الأمن إلى المدرسة التي كنت معلما فيها واقتادوني من حمص إلى سجن المزة، مغمض العينين ومكبل اليدين، وبعد إدخالي في الدولاب بدأ عمل الكابل الرباعي، وبعد ذلك بدأ التحقيق معي، وتم تسريحي من وظيفتي والبقاء، في السجن ثلاثة عشر شهرا دون محاكمة.
في المرة الثانية، وبعد اثني عشر عاما، جاءت دورية الأمن إلى مكتبتي بحمص واعتقلوني فيها، وبدأ الرفس والركل قبل أي سؤال، ثم تم نقلي إلى فرع فلسطين، ثم إلى فرع عنجر ومنه إلى فرع طرابلس وبعده إلى فرع بيروت، كل ذلك بناء على تقرير من مخبر يقول فيه إنني اتعاطف مع حزب الكتائب اللبناني، لمجرد أن اسمي مسيحي الدلالة.

تذكرت ذلك الزمن، وما يحدث الآن من موت فروع التحقيق السورية لخيرة صبايا وشباب سوريا، بحجة محاربة الإرهاب وحماية الأقليات، يساعد نظام الأسد في ذلك أنظمة العالم التي تدّعي الحرية والديمقراطية.

ثلاث سنوات مرت من عمر الثورة السورية، وما تزال أجهزة المخابرات تقصف أرواح السوريين، فمتى الخلاص؟

(147)    هل أعجبتك المقالة (132)

AL KHANI

2014-03-04

لله درك أستاذ ميخائيل حتى اسمك الكريم سيلاحقهم في الدار الآخرة ولكن من وجهة نظر إقتصادية ألا ترى معي أن هذه المؤامرة الكونية تكلف هذا النظام الحضاري أموالاً طائلة من نفقات مواصلات وتعويضات مهمات ودوام إضافي وتجهيزات علاج فيزيائي لآلاف العملاء من دواليب وسجانين ومخبرين ومحققين اختصاصيين بعلوم استخراج المعرفة وإجهاض المؤمرات ما منع هذا النظام من الإيفاء بوعوده وتحويل بلادنا لجنة الله الموعودة?!.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي