أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قصص وحكايات وطرائف "من عهد الديكتاتورية في سوريا"

ليس من عادتي، أنا محسوبكم، أن أستغلَّ المنبر الإعلامي الذي يستضيفني لإجراء دعاية لأحد كتبي أو أعمالي الإذاعية أو التلفزيونية.
لم أغير عادتي الآن، ولكن الحديث عن كتابي "قصص وحكايات وطرائف من عهد الديكتاتورية في سوريا" الذي صدر قبل أسبوعين من الآن، برأيي، هو أمر مُسَلٍّ، وينتمي إلى ما اصطَلَحَ أبو حيان التوحيدي على تسميته بـ "الإمتاع والمؤانسة"، فلتأليفه وإصداره حكاية أكثر طرافة من كافة القصص والحكايات الموجودة في داخله.
في الأيام الأولى للثورة كان الناس فرحين بما حصل، منتشين بأصواتهم وهي تهدر مطالبةً بالتغيير، وبالحرية، وبالخلاص من كابوس الحكم الديكتاتوري الاستيطاني الفاشيستي الذي أسسه حافظ الأسد وأورثه لولده المختلّ.. كانوا يريدون أن تستنفر سوريا كلها من أجل إتمام هذه الصرخات العظيمة التي طاولتْ أُذُنَ الجَوْزاء.
وكان كلُّ مَن يعرفني، ويعرف أنني كاتب، يقترب مني، سواء في الشارع، أو في السوق، أو خلال المظاهرة، ويهمس لي: أستاذ، ما بدك تكتب عن الثورة؟
كانوا يريدون أن يقولوا إن هذه الثورة تحتاج إلى "تأريخ"، ولكن ليس على طريقة المشايخ الذين كانوا يقسمون أغلظ الأيمان على أنهم شاهدوا حافظ الأسد وابنَه "الباسل" محشورين في الجنة مع الأنبياء والصديقين!.. ولا على طريقة "جان ألكسان" الذي اعتبره قائداً استثنائياً مُلْهَماً لا يتكرر، يستحق أن تُكْتَبَ بحقه مؤلفات ضخمة، ولا على طريقة "محمد مهدي الجواهري" الذي ارتأى أن الأمة السورية يجب أن تفخر بأنها لم تلدْ، خلال خمسة آلاف سنة، رجلاً أفضل من هذا المجرم العتل!.. وإنما "التأريخ" على طريقة "البديري الحلاق" الذي كان يكتب عن عصره بعيداً عن أعين الحكام، ويُخبىء ما يكتب لتقرأه الأجيال القادمة وتعرف حقيقة ما جرى، من دون كذب وافتراء. 
وكنت أقول لمن يسأل: مؤكد أن كُتَّاباً سوريين كثيرين يؤرخون لثورة الشعب السوري.. فلننتظر، ونرَ.
ولأنني كنت أعيش في إدلب "مناطق النظام"، وأنا من الثورة والمعارضة في آن واحد، فقد كانت عملية احتفاظي بكتابات تتحدث عن استبداد هذا النظام الفاشستي ومنهجه الأزلي في العدوان على الشعب السوري وقمعه وإذلاله على كومبيوتري تفوق في خطورتها اقتناء المخدرات أو الاتجار بها. 
ومع ذلك، كان أول ما فعلته هو أنني أنشأتُ على كومبيوتري مجلداً يحمل عنوان "موسيقا كلاسيكية".. اخترتُ له هذا العنوان لقناعتي الراسخة بأن حيوانات النظام المختصة باقتحام بيوت السوريين يمكن أن ترتاب بأي مجلد ويدفعها الفضول لمعرفة محتوياته عدا مجلد الموسيقا الكلاسيكية!.. وصرت أكتب ما يمكن اعتبارها تأريخاً قصصياً حكائياً فكاهياً لعهد استبداد الحركة التصحيحية في سوريا.
تزامن تأليفُ الكتاب، طيلة تلك الفترة، مع هواجس وحسابات بالغة الحساسية تجاه الحالة الأمنية السائدة في سوريا، وأول شيء قمتُ به هو أنني صرتُ أرسلُ نسخاً من فصوله المكتملة إلى أصدقاء أثق بهم يعيشون في دول تحترم حقوق الإنسان، وأطلب منهم إنشاء مجلد خاص بكتابي، ثم أحذف "الإيميل" من قائمتي، وهذا إجراء أقل خطورة من إجراء حمل "الفلاشة"، لأن دواب النظام يمكن أن يقتلوا أي سوري يحمل "فلاشة" حتى ولو كانت تتضمن بعض أغاني دومينيك وعلي الديك، لارتيابهم بأنها تتضمن شيئاً معادياً للممانعة.. 
ومع ذلك فقد اضطررتُ لحمل "الفلاشة" حينما هربتُ إلى حلب، فهناك كنت أشتغل على النحو الآتي:
أذهب صباحاً إلى منزل أحد أصدقائي في حارة سيف الدولة الذي كنا ننشط فيه لصالح الثورة، أنقل محتويات المجلد من "الفلاشة" إلى سطح مكتب كومبيوتر خصصه صديقي لي، أشتغل عليه حتى المساء، ووقتها أنقل النسخة المعدلة إلى "الفلاشة"، وأحذف المجلد من سطح المكتب، وعندما أصعد إلى السيارة أضع "الفلاشة" ضمن كراكيب المفكات والمفاتيح، أو تحت الدولاب الاحتياطي، وأستخرجها حينما أصل إلى البيت، لأنقل محتوياتها إلى اللابتوب الموجود في البيت.
كنت ألجأ إلى كل هذه الحيل لأن الإنترنت كان ينقطع فترات طويلة عن حلب، ومن ثم فإن فكرة "الإيميل" لم تكن تنجح دائماً.
هذا الكتاب كنت أهربه أيضاً إلى "معرتمصرين" حينما كنت أضطر لمغادرة حلب.
السؤال المشروع الذي يطرح نفسه الآن: هل كان الكتاب على مستوى المخاطر التي تعرضت إليه لأجله؟ أم تمخض الجبلُ..
الجواب: ماذا أقول؟ هو كتابي على كل حال.

من كتاب "زمان الوصل"
(171)    هل أعجبتك المقالة (173)

2014-02-22

قصص وحكايات وطرائف "من عهد الديكتاتورية في سوريا نظام الأسد سرطاني ولا حل سيجدي معه سوى الإستئصال الاثد " سوريا ليست مثل تونس دمشق ليست مثل ريف دمشق اوكرانيا تختلف عن سوريا المهم متى سوف ينتهي هذا المجرم القاتل ويترك البلد للاخرين من اجل الترميم.


مجد الأمويين

2014-02-27

والله يا استاذ... عصر الرعب الذي عاشه المواطن السوري يجعله يشك حتى في أقرب الناس إليه ويجعله يخاف ليس من حمل فلاشة فقط، وإنما من حمل ورقة صغيرة يمكن أن يظن أنها تؤدي به إلى غياهب سجون النظام التي لا ترحم.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي