موقف 1
قبل قليل، قالت لي زوجتي: فيك تقلي شو كل هالعلاك المصدي عني في صفحتك الفيسبوكية؟
قلت لها: لماذا هذا الكلام القاسي يا حبيبتي، هلق العالم بياخدو فكرة مو حلوة عن حياتنا الديمقراطية؟
قالت: ديمقراطية شو هي اللي عم تحكي عنا، الديمقراطية الحقيقية هي اللي بقولو أنا وبس.
قلت لها: رح تخليني اترحم على ديمقراطية الأسد، متل كتير من السوريين بالرقة وحلب المحررة.
موقف 2
ذكرتني قصة السماح والمسامحة التي يدور رحى معركتها في جنيف بقصة حقيقية جرت بين أخي وابني:
قبل سنوات أردت إبعاد ابني عن محيطه من أصدقاء السوء فأرسلته إلى سويسرا حيث عمه يعيش ويعمل، وكنت قد تحدثت مع أخي عن مراهقة ابني الصعبة، فوعد أن يفعل ما يستطيع وزيادة من أجل وضع الشاب على طريق الإنتاج والعمل.
كان أخي يعمل ولا يزال في تجارة السيارات المستعملة، ومنذ اليوم الأول لوصول ابني إلى جنيف، قال له عمه: أنا أخرج للعمل الساعة السابعة صباحا، يعني عليك النهوض السادسة كي تشرب قهوتك معي. وهكذا بدأ العمل، دون نصائج ولا محاضرات، بعد حوالى الشهر قال العم لابن أخيه: هذه السيارة لك، وهذه خمسة آلاف فرنك ضعها في جيبك، وإذا وجدت سيارة أغلى سعرا من ذلك اتصل بي.
في نهاية الشهر جلس الرجلان للمحاسبة، ولاحظ العم أن ابن أخيه لا يطالب بكامل حقوقه، فسأله: لماذا تسقط حقوقك؟ قال الشاب: ولكنني أعيش في بيتك، وآكل من طعامكم، عندها قال أخي لابني: اسمع يا بن أخي، أثناء الحساب، يجب أن تطالب دون خجل بكل حقوقك، وتسجلها أمامي على هذا الدفتر، وبعد أن نتفق، لك كامل الحق أن تترك ما تريد وأن أقبل منك ما أريد، أما قبل توضيح حقوقك وحقوقي، فسيظل كل طرف يظن أنه هو من خدم الطرف الآخر أكثر، وأنه هو من ضحى من أجل مصلحة الثاني، ونتيجة ذلك ستكون كارثة علينا معا، وأنا أريد أن أبقى عمك، وأن تبقى أنت ابن أخي الحبيب.
أرجو أن لا أكون قد أطلت في سرد الحكاية، ولكنها الحكاية السورية الآن، لا نريد أن نغفر لأحد دون محاسبة، يجب أن يعرف كل طرف ما اقترفته يداه بحق الطرف الآخر، ثم فليحاسب من شاء المحاسبة وليغفر من أراد الغرفان والمسامحة، ولكن ليس قبل ذلك.
موقف 3
كانت جدتي، وهي في الثمانين من عمرها، أكثر علمانية وبعدا عن الطائفية من كثير من دعاة التقدم والديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان، في هذه الأيام.
ففي أحد أيام شبابي كنت أعشق صبية حمصية مسلمة، وكانت تأتي لزيارة أهلي مرة في الأسبوع على الأقل، وبالإضافة إلى لطفها، كانت تحضر دائما شيئا للعجوز بيدها، لذلك كانت جدتي تحبها وتحلف بحياتها. أحد الأيام حاول بعض الأصدقاء المزاح مع جدتي فأخبروها أن ميخائيل يريد الزواج من هذه الفتاة المسلمة، فقالت لهم: عيب عليكم أن تتكلموا بالأديان وأنتم ما زلتم في عمر الشباب، والله إن هذه الفتاة المسلمة لأفضل لابني ميخائيل من كل ما عرفت من صبابا مسيحيات.
وهكذا انتصرت عجوز ثمانينية على ثلة من "الشباب التقدمي"، فأين نحن الآن منك يا جدتي (أم عطية)، رحمك الله!.
موقف 4
البشر أنواع، وهذا ليس اكتشافا حمصيا، فمنهم من ينجز أعماله حسب خطة محكمة، ومنهم من يحلم بتحقيق المعجزات، ومنهم من يعمل دون كلل كي يكون مخبرا عند الأسد، ومنهم من يسعى لنيل الشهادة، ومنهم من يحلم بتدخين "مارلبورو"، وهكذا كما ترون، من الصعب حصر أنواع البشر واهتماماتهم وأسلوب عملهم في الوصول إلى أهدافهم، وأنا أحد هؤلاء.
أسلوبي في العمل بسيط جدا، فأنا لا أنجز أي شيء إلا والعصا فوق رأسي، وللعصا أنواع منها المعنوي ومنها الحقيقي، على مبدأ: العصا لمن عصى، وأستمر عادة في تأجيل العمل الذي يجب أن أنجزه إلى آخر ثانية، لذلك يخرج من بين يدي ناقصا ومشوها.
ومن أمثلة ذلك الكتابة، فقد أنعمت عليّ الثورة وفجرت عندي كنوزا لم أكن أعرف بوجودها في عقلي، وهي القدرة على الثرثرة المكتوبة، ويبدو أن لهذا العيب الخلقي زبائنه، فازداد الطلب على ما أكتب، وكثر التصفيق لي والمديح لعبقرية الثرثرة التي اكتشفتها في أعماقي، فتهافتت عليّ الطلبات من الصحف والمجلات الإلكترونية وغيرها، ويشاء غروري وضعفي البشري، في حب الظهور، أن ألتزم بالكتابة مع عدد من تلك الصحف، وعندما يحين الموعد المتفق عليه ولم أكن قد أنجزت ما وعدت به، أبحث عن مبررات لتأخري في الكتابة، وأجد أن أسهل الأمور هي الاتصال بزوجتي المحبة، طالبا منها ترك كل ما بين يديها والحضور فورا إلى المحل، وعندما تسألني عن السبب، أقول لها على طريقة المسلسلات التركية: إنني مشتاق إليك، لا أستطيع تنشق الهواء لأن عطر جسدك غائب عنه، وتصدق المسكينة، كعادة النساء الشرقيات اللواتي يحلمن بكلمة جميلة من أزواجهن بعد الزواج، فلا يسمعن منهم غير الشخط والشخير، وتأتي مسرعة، حاملة ما لذ وطاب من مأكولات وحلويات حضرتها لي.
في اليوم التالي، وما إن أسمع لوما من أصحاب إحدى الصحف لتأخري في إرسال مادتي، حتى أنهال باللوم والتقريع على زوجتي، متهما إياها بأنها السبب في كل مشاكلي، منذ أن تزوجنا وحتى الآن، مستحضرا على لساني كل أنواع اللوم الذي تسبغه الثقافة الذكورية العربية على المرأة.
وقد كان من اكتشافاتي المدهشة، وأنا ألوم زوجتي على ذنوبي، أن الرجل العربي واحد واحد واحد في شرقيته، لا فرق في ذلك بين المسيحي أو السني أو الشيعي أو الدرزي، فكلنا في لوم نسائنا ووضع الحق عليهن، واحد.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية