أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

باراك أوباما ميكافيللي العصر الحديث

"كل ماهو مفيد ضروري" لكن الخلاف في الإفادة ودرجاتها، والأثمان التي تدفع، أو لابد أن تدفع للوصول للهدف وتحقيق الإفادة، هذا هو السؤال وهو على ما أعتقد منطق السياسة الواقعية، التي تتعاطى خلالها الإدارة الأمريكية، بل صرفت لأجل بلوغها، الوقت والأكلاف. ولم يعرف جل سياسي المعارضة السورية-للأسف- لها عنوانا وتطبيقا. بقدر ما تاهوا عنها عبر غوصهم في الارتباك والارتباط وغرقوا إلى شحمة أذن القضية بالتبعية.
ماجعل الإفادة من نظر"الكبار والوسطاء" خسارة لهم، لتأتي "التحزبات" كبلّة زادت من طين الضياع وجعاً، إلى الحدود التي جعلت من المعارضة "شبكة" تفكيكها بغرض إعادة التركيب مستحيلاً، والانسياق معها تحت تأثير غوايات تلافي ما يمكن تلافيه، مضيعة للوطن واستنزافاً إضافيا للدم والأحلام.

بداية القول: فوجئ بعض ساسة المعارضة، إن لم نقل جلهم، بالموقف الأوبامي خلال جولات جنيف2 خاصة، التي دفعهم فورد إليها عبر الآمال والوعود، وعبر مسيرة الثورة بشكل أعم، بل وبعضهم مازال يعوّل رغم الأدلة، على معجزة أمريكية تنهي الصراع وتذهب بالنظام السوري، إلى لاهاي ..أو إلى الجحيم. متناسين، أو غير مدركين ربما، أن ما يجري على الساحة السورية حتى اليوم، هو تخطيط أمريكي فقط، وليس لغير واشنطن أن يدّعي مجد الإعداد والإخراج والدفع بقوة الإغواء للتنفيذ، بل لا تسمح الولايات المتحدة لغير ما يجري أن يجري، حتى لو استخدمت القوة. طبعاً مع السماح بهامش أخطاء قد تتعلق بالفيدرالية بدل التقسيم أو بحجم أدوار اللاعبين، والذي ذهب بعضهم نتيجة "التمسكن" الأوبامي -موسكو مثالاً- ليحسب أنه لاعب يفرض شروط اللعبة أو يساهم في صياغة ملامحها، متناسين وقت أرسلت واشنطن بوراجها للمتوسط، فغيّرت من جميع المعادلات بين ليلة وضحاها.

قصارى القول: السؤال الذي يتوثب على الشفاه بإلحاح هنا، ماذا استفادت واشنطن من تعميق الحالة السورية وجنوح الثورة وبلوغ الأزمة مستويات قد لا يكون من اليسر عودتها إلى حالة الطمأنة، حتى لجهة تل أبيب التي لا يناسبها وجود دولة فاشلة بجوارها، ولا حتى دولة "لملمت" أصوليات العالم ومرضى مذهبياته.

الإجابة على ما أحسب، وإن سابقة لأوانها على اعتبار الأزمة لم تنته، وقد من التنجيم لا التحليل، معرفة الحصص ودرجات الانتصار، لكنها -الإجابة- تستشف مما حققته واشنطن أوباما، والتي لم يستطع سواه ممن تعاقبوا على البيت الأبيض تحقيقها، بمن فيهم بوش الأب الذي أشرف على الفصل الختامي من تفكيك الاتحاد السوفياتي وأدخل الجندي الأمريكي إلى منابع نفط الشرق الأوسط، بناء على طلب أهليه.

-شوّه أوباما صورة موسكو في الذهنية العربية خصوصا والإسلامية بشكل عام، وسوّق روسيا على أنها داعمة للديكتاتوريات، بما في ذلك زيارة السيسي المنقلب على الشرعية والديمقراطية وحجه لموسكو لتوقيع صفة السلاح.

- كرس أوباما فكرة امتعاض واشنطن من تل أبيب وإمكانية إعادة إعطاء وكالتها الحصرية في الشرق الأوسط لغير إسرائيل، ما أسال لعاب طهران وانساقت في آمالها لرقصة الستربتيز حول برنامجها النووي.
- هدم أوباما سوريا وحاضر السوريين، ولكن بأيد سورية ووافدين وضعهم قبل أن يفتح لهم "باب الجهادية" على لائحة الإرهاب، بمن فيهم حزب الله اللبناني.
- سحب الأسلحة الخطيرة من نظام دمشق دون أن يطلق طلقة، بل وفازت شركة أمريكية أمس بمناقصة تدمير كيماوي الأسد.
- تابع أوباما المشاهد التالية من مسرحية العراق بنقل عدوى النزاع الطائفي وحلول الفيدرالية أو التقسيم، وفق أسلوب الفوضى الخلاقة ومخطط الشرق الأوسط الجديد، والتي ليس لأمريكا حق الادعاء بالتخطيط له منذ عقود.

إذا وصل باراك أوباما عبر سوريا إلى تحقيق كل هذه الأهداف، فهل هو الرئيس الأضعف منذ اكتشاف كولومبس كما يسوق اليوم، أم هو ميكافيللي العصر الحديث؟!

نهاية القول: على الأرجح أن أوباما لا يقيّم الوضع في سوريا من منطلق وجداني وعاطفي كما نتمنى نحن المتأذين، كما أن الولايات المتحدة ليست جمعية خيرية وغير الأم وشركات التأمين، لا تتمنى لنا السلامة والبقاء، لأن الحكاية مصالح وإن تم تنفيذها عبر"الغاية تبرر الوسيلة" وغير ذلك من مفاهيم، تتعلق بالقيم والأخلاق، ماهي إلا عكاكيز يستعملها دخلاء السياسة والهواة لتبرير فشلهم.

ولكن، ولئلا نغلق الأبواب جميعها، فنحفر قبرا للثورة وننتظر موتها، ثمة حلول يمكن أن تعيد الثورة والنظرة إليها، صوفية محقة كما انطلقت، رغم ما حققه النظام من شيطنتها عبر شرائه قرار لعبة الزمن، من خلال إعادة الإعمار واستثمار النفظ وبيع الجغرافيا السورية، إن لضمان أمل الجوار أو حتى تمرير خطوط النفط والغاز، أو الاستعانة بشركات تسويق وعلاقات عامة وإعلام عالمية، ساهمت بتغيير رأي ورؤية الرأي العام الغربي والعالمي من الثورة ومطالب وأهداف السوريين.

فإن لم نتطرق إلى ضرورة المراوحة بالحالة حتى حزيران المقبل، موعد انتهاء تسليم الكيماوي والاستحقاق الرئاسي بعد انتهاء ولاية التوريث الثانية، والتي من المتوقع حينها، أن تصفع واشنطن كل من ظن بها ضعفاً، نقول: أجل مازال في الوقت بقية، حتى لإعادة الفك والتركيب وفي كل الأجساد التي تمثل حلم السوريين، ولكن وفق مفاهيم سياسية تقدر مصالح الجميع، فلطهران وزن ودور وبالتالي مصالح، وكذا للرياض وأنقرة وموسكو وواشنطن، ولعبة السياسة تتجلى في المواءمة وتحقيق كل تلك المصالح بما لا يضر مصلحة وحلم السوريين، حتى وإن عبر"التقية" و"الميكافيللية" فالواقعية السياسية التي يتعاطى خلالها الآخرون، وباراك أوباما على رأسهم، تنطلق من "من واجب الأمير أحياناً أن يساند ديناً ما ولو كان يعتقد بفساده" هذه هي السياسة التي ركب على دابتها من يدعي تمثيل السوريين، فالأيام أثبتت أن" الأنبياء المسلحين احتلوا وانتصروا بينما فشل الأنبياء غير المسلحين" وللسلاح هنا وجوه ومعان تتبدل بتبدل الطرف والظرف والزمان والمصالح. 

(208)    هل أعجبتك المقالة (183)

سوري مغترب

2014-02-16

للأسف استاذنا الفاضل أعتقد أنه لم يعد يجدي الكلام نفعا ً واصبح الموضوع قصة وقت لاعلانه لتكتمل فصول المسرحية وليس من باب التشاؤم ولا الاتكالية ولكن فعلا اصبح الحل بيد الله وحده..


mohamed

2014-02-16

من أطلق على امريكا اسم الشيطان الاكبر لم يكن مخطأ ,, فكل ما حدث ويحدث من تخطيط ورسم أمريكا بل وبأدق التفاصيل وكل من يظن ان لغير امريكا اي تاثير يكون مخطا . فهؤلاء كان لهم دور ولكن الذي ارادتهم لهم امريكا. و الحل الوحيد برأيي العودة اولا لمكارم الاخلاق وثانيا لديننا والذي كان من اوائل ماقيل فيه لا اكراه في الدين .. ودين الاسلام دين التسامح والمحبة والسلام والخلق الحسن وعندها يمكن ان نصبح يد واحدة يحسب لها حساب ولو أنني اعتقد ان ذلك مستحيل.


زياد عبد القادر

2014-02-16

تماما استاذ عدنان .. لا اوباما ولا امريكا ولا اوربا ينظرون لأزمتنا بوجدانهم فقط هي المصالح ما يحرك كل العالم.


التعليقات (3)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي