كتبت الصديقة "فاطمة العمر" على مجموعة «كش ملك» الإلكترونية الساخرة، تحذيراً للثوار الرجال من خطورة أعمالهم ضد المرأة.. هذا التحذير، برأيي، هو قمة المحبة، والجمال، والظرف، والروعة.
قالت: بناءً على فشل الرجال في إقامة الثورات، نعلن، نحن النساء، إقصاءَهم عن الثورة القادمة، ونعلنها ثورةً نسائية بحتة!!
إن فاطمة، في الحقيقة، امرأة واقعية، تعرف أن الثورة السورية العظيمة قد قامت من دون آيديولوجيا، أو تخطيط مسبق، لذلك سارعت إلى التوضيح: (بالنسبة لثورتنا ليس لدينا خطة مسبقة! إذ لم نقرر بعدُ إن كنا سنحافظُ على سلميتها، أو سنلجأ إلى تسليحها.. فعندما ستحتدمُ المواجهة سيتبين لكم أن كيدنا عظيم بكل الأحوال)!.
الحقيقة أن الرجال الذين يكرهون المرأة، ويحتقرونها، ويناصبونها العداء، يجتزئون مقطعاً من سورة يوسف (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ).. فيقولون إن المقصود بـ «الكيد» هو المكر، والأساليب الملتوية، والغش، والنميمة، والتآمر، وطقطقة البراغي للآخرين.. وأما فاطمة، وهي امرأة ذكية جداً، فقد أدركت أن كلمة «الكيد» هنا تعني الذكاء وحسن التدبير والكياسة وكافة الصفات الحميدة التي تمتلكها النساء السوريات العظيمات الثائرات..
إن ثورة النساء، بحسب فاطمة، لا تخلو من العنف، ولكنها تُطمئننا قائلة: (لا تخافوا، فأعنف اشتباك سيكون شَدّ الشَّعْر! وأكبر الخسائر كسرُ فنجان القهوة!.. وكما تقول العَرَّافات فإن دلق القهوة دليل خير!.. وأبشع شتيمة هي: أنا أحلى منك وليك، يبعت لك حمى ما أقل ذوقك!!
وتختم فاطمة فقرتها الرائعة بإعطاء الأمان للرجال من ثورة النساء: مَنْ دخلَ بيته من الرجال، وأغلق على نفسه الباب، واعتزل الفتنة، فهو آمن!
***
في أواخر الخمسينيات، حينما زار الشيخُ المتنور خالد محمد خالد قائدَ ثورة العسكر جمال عبد الناصر في قصره الجمهوري، وسأله عبد الناصر:
ماذا تقول بثورتنا العظيمة يا شيخ خالد؟
أعطاه الشيخ خالد جواباً صاعقاً إذ قال له: يؤسفني أن أقول لك إنها كانت "خطوة إلى الوراء" بالنسبة للديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر!
وأما بالنسبة للثورة السورية العظيمة فقد كانت المرأة منخرطة فيها منذ البداية، وشاركت في المظاهرات والاعتصامات وأنشطة المجتمع المدني المتنوعة.. إلى أن ظهر أمراء الحرب، وبدؤوا بعزل المجتمع المدني عن الثورة، وإطلاق شعارات مغايرة لشعاراتها البدئية، ههنا بدأ استهداف المرأة، وارْتُكِبَتْ بحقها تصرفات قميئة، ولا سيما حين بدأ بعض المتطرفين يطلقون على «النساء» اسم «الحرائر»، وفي كثير من الأحيان أصبحوا يُلحقنهن بجمع المذكر السالم، فيقولون عنهن: «أخَواتنا المسلمات».. وفي بعض المناطق اتهمت بعضُ النساء بالفجور والفسوق، وتعرضن للجلد، والرجم، وفُرض عليهن التَحَجُّب والتَجَلْبُب دون أن يكون لهنَّ رضا بذلك.. وفُرض الحجاب الأسود على تلميذات المدارس دون سن البلوغ.
في إعرابات صديقنا الكاتب العالمي السوري رفيق شامي التي ينشرها في مجلة "كش ملك" استوقفني مقطع على قدر كبير من الأهمية.. وهو المقطع الذي يشرحُ فيها معنى كلمة (أمِّيّ). فيقول:
أُمِّيٌّ: هنا، كوضع خاص في الجملة، فاعلٌ إعرابياً، ومفعول به في المجتمع. فالـ (أمّي) هو من لا يستطيع القراءة والكتابة. ويخلط الناس ومؤلفو قواميس اللغة بين كلمة «أمّي» وكلمة «جاهل»، فالأمي قد يكون حكيماً!.. وقد لاقيت في حياتي رجالاً ونساءً أميين كانوا حكماء، وكان موتُ أحدهم يشبه حريق مكتبة. ولاقيتُ مثقفين وأكاديميين قرؤوا آلاف الكتب وظلوا جهلة، لم يفهموا حتى أبسط الحقائق مثل تساوي المرأة التام مع الرجل بدون «سوف» و«لعل» و«إذا» و«متى».. وبدون تأجيل لما بعد الثورة أو إلى الدنيا الآخرة.
ويقول: أظن أن الرجال هم مَنْ ألصقَ هذه الصفة السلبية بكلمة «أم»، أجمل كلمة في اللغة. ولم يراعوا التناقض الكبير فيما عنوه بالـ «أمي» وما تعنيه كلمة «أم» وهي في العربية رأسُ الشيء وأصلُه، وهذا تفخيم عظيم فوصفُ مكة «بأم القرى» يعني أنها كانت أفضلها. و«أمُّ الكتاب» أصلُه وفاتحتُه. وتبريرات تسمية مَن لا يحسن الكتابة والقراءة بالأمي هشة وغير مقنعة ومهينة للمرأة.
(انتهى كلام رفيق شامي).
***
يخطر لي الآن، ونحن على أبواب السنة الرابعة من سنين الثورة أن أقول، وأحذر، وأقرع ناقوس الخطر على طريقة الشيخ المضيء خالد محمد خالد: انتبهوا، لا تجعلوا ثورتنا خطوة إلى الوراء في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.. والأهم: المرأة..
إذا حصل ذلك فلن تقوم لسوريا قائمة.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية