أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

غرام وانتقام فيسبوكي

كتبت لي سيدة فيسبوكية لم يسبق أن تعارفنا، قائلة: صباح الخير أستاذ ميخائيل، أنا معجبة جدا بك كشخص أولا، وكإنسان ثانيا، وكمثقف ثالثا.

كتبت لها قبل أن تنهي رسالتها:
يسعد صباح الحلوات، ذكرتني صبحيتك الجميلة والحلوة بأرغفة المغطوطة بعسل في حمص القديمة. ولكن قبل الاسترسال في المديح، أتمنى ان تفكري جيدا بما تكتبينه لي أو لغيري.

فأنا، أولا، كشخص، رجل على حافة الخامسة والستين من العمر، لست أصلعا تماما، ولكن أميل إلى الصلع، متوسط القامة، بل يمكن القول إنني أميل إلى القصر، مكربج، وهو تعبير شعبي يدل على السمنة بطريقة مهذبة، أما الحقيقة فشكلي أقرب ما يكون لشكل برميل المازوت في بلدنا سوريا، ثم عليك الانتباه إلى أنني اضع "دكة اسنان" علوية وسنية، قصدي وسفلية، لعن الله الطائفية، فهي تلحقنا حتى إلى الأسنان وعياداتها السنية، وسأكتفي بهذا القدر من الصفات، علها تكون كافية لتغيير إعجابك بي.

وأنا، ثانيا، وأعوذ بالله من كلمة "أنا"، فهي سبب كل الشرور والأزمات التي تعاني منها معارضتنا الشريفة، من منها تحت سقف الوطن، ومن منها قد التحفت سماء العالم، لحافا يقيها البرد، فهي أفضل من البرد في سجون الأسد، أما عن كوني إنسانا، فللحقيقة فقط، أهمس لك "بيناتنا"، أنني لم افهم ماذا تقصدين بذلك؛ هل تريدين مثلا تمييزي عن الحيوان بقولك إنني إنسان، أم تريدين تأكيد نظرية "دارون" أن اصل الإنسان قرد، أم تريدين الإشارة إلى قدرتنا على التكيف على مدى ٤٤ سنة من العيش تحت حكم الاسدين، وهي صفة مميزة من صفات الإنسان، وإلا لكان يجب ان ننقرض، وهو، أي بشار الأسد، يحاول على كل حال أن يجعل الإنسان السوري كائنا منقرضا، المهم لا أريد أن أبدو أمامك مفذلكا، ويكفي للتدليل على أنني إنسان القول إن كلماتك الناعمة قد أثارت بي الحنين إلى عصر النساء الذي أفتقده منذ غياب "حريم السلطان" عن حياتنا.

أما، ثالثا، عن كوني مثقفا، فسأطلب من الله ان يغفر لك ذنوبك، إن كنت مؤمنة بالحساب واليوم الآخر، أما إذا لم تكوني مؤمنة، فذنبك على جنك، وأنت من سيتحمل آثار ذلك، وليس عليّ واجب هدايتك إلى عبادة الله، فأنت بالغة راشدة، وعقلك يزن جبلا، وليس لمثلي أن يحاسبك على إيمانك، فأنت، بإذن الله، أختي، آمنت بالله أم آمنت بالحجر.
نعم لقد نلت شهادة جامعية، إذا كنت تقصدين بالثقافة نيل الشهادة، ولكنك تعرفين ولا بد، وتشاهدين رؤيا العين، عدد الحمير والقتلة الذين يرفعون يافطات تدل على إجازات وشهادات دكتوراة في كل العلوم، وخير مثال على ذلك "نبيل فياض" و"نزار نيوف" وغيرهم آلاف ينتشرون في كل الأماكن. أما إذا كنت تقصدين بالمثقف هو الشخص الذي قرأ كتبا كثيرة ويحفظها عن ظهر قلب، فأود القول لك مرة أخرى إن شريحة إلكترونية صغيرة ثمنها أقل من خمسة دولارات تستطيع تحميل وحفظ مئات المجلدات من كل أنواع العلوم، ولكنها مع ذلك تبقى شريحة إلكترونية لذاكرة كمبيوتر او هاتف محمول ولا يمكن ان نطلق عليها صفة شريحة مثقفة.

المثقف، كما أراه، أيتها الجميلة بين النساء، هو من يستطيع أن يحول معارفه المتعددة إلى سلوك يومي، فمن غير المعقول مثلا أن نقول إن الشاعر والمثقف الكبير "أدونيس"، وهو يضعنا جميعا في جيبه الصغير، أن ثقافته قد جعلته من المدافعين عن حقوق الإنسان، في الوقت الذي لم يدن حتى هذه اللحظة مقتل مئات الألوف من السوريين بأسلحة النظام الأسدي القاتل، إذاً ما فائدة كل معارفه وثقافته في مجال حقوق الإنسان أو غيرها من المجالات، نعم سيبقى شاعرا كبيرا ولكن على مستوى اللعب بمكونات اللغة فقط.

أخيرا، سيحزنني جدا أن أكون سببا في حزنك أو خيبة أملك بي، إذا كان تصورك عني بعيدا عما كتبته عن نفسي، ومع ذلك فأنت حرة في أن تختاري الموت على صدر نزار قباني أو فوق دفاتر أشعاره، رحمه الله، فقد كان من المثقفين الذين قرنوا القول بالفعل، فعاش شاعرا ثائرا ومات عاشقا ثائرا.

(137)    هل أعجبتك المقالة (140)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي