أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رجال دولة.. بين الأحذية

كانت عمتي الحاجة عيوش تقول للولد الذي يحبُّ أن يوسِّخَ نفسَه وثيابَه ويقوم بأعمال تحط من شأنه: "حطيناك في صدر البيت، التفتنا، وإذا أنت قاعد في العتبة بين الأحذية"!

خطرت ببالي هذه العبارة وأنا أستعرض في ذاكرتي وقائع ذلك اليوم الربيعي، في أواسط الثمانينيات، حينما استدعانا مديرُ الدائرة الحكومية التي كنتُ موظفاً فيها إلى مكتبه، وأبلغنا، بكثير من الذوق والكياسة، أن الرفيق المناضل حافظ الأسد- لأنه قائدٌ تاريخيٌّ معطاءٌ- قد أوفدَ رئيسَ الحكومة الدكتور عبد الرؤوف الكسم إلى محافظة إدلب، وفاءً منه لكل شبر من أرض الجمهورية العربية السورية، وحباً من سيادته لكل فرد من أفراد الشعب العربي السوري (المحظوظ بقيادته)!

سأله واحد من الموظفين القدامى، بطريقة مُلَغَّزة، وعلى وجهه ابتسامةٌ غَلّابة: ومين هذا "الكسم" بلا صغرة؟
كان الاستعمال الوحيد لكلمة "الكسم" في سوريا، آنذاك، هو قول الناس لأحد ما، من قبيل التوبيخ: تضرب في ها "الكسم" ولاك حيوان!.. 

انتبه المدير لعنصر التلغيز، فسارع يوضح لنا أن السيد عبد الرؤوف الكسم ليس من عامة الناس- كما تظنون- فهو دكتورٌ في الهندسة على سن ورمح، وكان عميداً لكلية العمارة والفنون الجميلة.. وليكن معلوماً لديكم أن حكمة القائد الأسد التي تبلغ حدود "الإلهام" هي التي جعلته يختار هذا الرجلَ لقيادة الحكومة في هذه المرحلة البالغة التعقيد من عمر سوريا الأسد!. 

ومع أن مديرنا مشهودٌ له في مجال الغباء والسطحية، إلا أنه تمكن من نقل فكرة إلينا مفادُها أن الدكتور الكسم إنما هو رئيس وزارة من النوع "التكنوقراط".. وشرح لنا معناها قائلاً: يعني مو شرط التعيين أنه بعثي، أو محسوب على عائلة الأسد،.. ولكن لأنه خبير، وفهيم، ومحترم!

واختصاراً للأخذ والرد، فقد "أعطانا" المدير "من الآخر"، وقال إن العقل والمنطق السليمين يقضيان بأن نَهُبَّ، الآن، هَبَّة الرجل الواحد، ونترك الدوام، "ملعون أبو الدوام!"، والشغل، والأضابير، ونخرج، ونسير باتجاه شارع القصور، لنحتفي بالدكتور عبد الرؤوف الكسم، ليس إكراماً له، بل لقائدنا التاريخي على أقل تقدير!. 
وأضاف منهياً الاجتماع: آمل الالتزام. وفي المحصلة كل إنسان يُسأل عن عمله!

نفذنا أمرَ مديرنا، كما ينبغي لموظفين عاقلين أن يفعلوا، وخرجنا عابرين شارع الجلاء، جنوباً، باتجاه شارع القصور، فوجدنا مجموعة من الرجال قادمين من جهة فرع الحزب، وكان في انتظارهم، عند إشارة المرور، قدام مجلس المدينة، خمسون رجلاً على وجه التقريب، ومعهم طَبَّال "مخضرم"، وزَمَّار "أخو حَفيانة"، وحينما شارف الطرفان على الالتحام، بدؤوا يغنون ويهتفون "بالروح بالدم.. نفديك يا حافظ".. ونحن اندمجنا بهم فازداد العدد. 

فرح الشباب القادمون من الفرع، في لحظة الالتحام، وتهللت وجوههم، ودب فيهم الحماس، ودخلوا في الحالة. 
وفجأة تقدم أحد أعضاء الفرع، وهو "إنسان مُطَعَّم على كديش"، من رجل أسمر، نحيف، ينقط منه القبح، ودحش رأسه بين ساقيه، ورفعه إلى الأعلى ومشى به. 

خاف الرجل الدميم من أن يوقعه الرفيق الشبيه بالكديش على الأرض، فتمسك برقبته مثل "الرتّيلة"، وتقلقل بعض الشيء، وحينما اطمأن إلى سلامة "الهودج"، دخل في الحالة، و"أخذه الحال" مثل "دروايش الملاخانة"، وشرع يصيح ملوحاً بيديه: بالروح بالدم.. نفديك يا حافظ.. قائدنا للأبد، الأمين حافظ الأسد. 

وقالوا لنا، لحظتئذ، إن هذا هو الدكتور المهندس "التكنوقراطي" عبد الرؤوف الكسم!

لم أتوقف، أنا محسوبكم، منذ ذلك الحين، عن متابعة أخبار الأشخاص الذين يفترض بهم أن يكونوا رجال دولة، ونضعهم في صدر البيت- كما أسلفت عمتي الحاجة عيوش- لنلتفت بعد قليل فنراهم جالسين في عتبة البيت بين الصرامي والأحذية!

شاهدنا، قبل أيام، الدبلوماسي السوري المخضرم الأستاذ وليد المعلم، وهو يقود مجموعة من الشخصيات الملحقة بالنظام المجرم إلى جنيف، ويقف هناك ليكابر، ويضابح، ويصيح، ويستريح، ويلف، ويدور، ويكذب، ويتباكى، ليثبت للعام أن سوريا ستذهب إلى الجحيم فيما لو بقيت من دون "أسد". 

ونرى بثينة شعبان، التي يُفْتَرَضُ أن تمثل الوجه الحضاري لسوريا، باعتبارها امرأة مثقفة، لا تكتفي بكذبة نقل أطفال العلويين إلى غوطة دمشق من أجل ضربهم بالكيماوي، بل لفت نفسها بالعلم الأحمر ووقفت لتحيي المجرم الصغير بشار الأسد.

وعمران الزعبي، وهو دكتور، وذو لحية، وشيبة تدل على الوقار.. ومع ذلك طق له عرق وهو ينادي إنهم ليسوا ذاهبين إلى جنيف ليسلموا السلطة، وأن المجرم الصغير بشار الأسد خط أحمر!

الزعبي يعرف أن روسيا نفسها فشلت في إقناع النظام بإطلاق سراح عبد العزيز الخير، ومع ذلك يتباكى عليه ويقول إنه صديقه، ويتمنى أن يطلق خاطفوه "المجهولون" سراحه!

سؤال واحد لم أعرف له جواباً حتى الآن: أليس الجلوس في الصدر أفضل من الجلوس بين الأحذية؟

(133)    هل أعجبتك المقالة (151)

مهندس الشام

2014-02-08

مين تنتظر يصير بالعتبة وهالمرة تحت الصرامي وليس بين الصرامي.


نيزك سماوي

2014-02-08

هؤلاء جرابيع قذرة لا يمكن أن يعيشوا على الرفوف المرتفعة بل مكانهم البلوعات القذرة ومجاري الكهاريز ، الله يرحمك يا ستي ويرحم عمتك كانت تقول : لعمى مثل الجربوع منحطوا على الرف بيرجع على البلوعة ، بث يا صديقي لماذا المجرم الخائن العميل المقبور إختار عبد الرؤوف الكسم : لأنه لم يجد أقبح من وجهه ولأن الشعب السوري كان ينادي المجرم المقبور أبو جبهة من زاد جبهتوا ما هي عريضة أعرض من أي صرماية او خف.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي