إدلب بين نظامين قاتلين: الأسدي والداعشي
ليس اكتشافا أن نقول إن داعش يساعد نظام الأسد، وإن مخابرات الأسد ساهمت في خلق داعش، لأسباب أصبحت معروفة للقريب والبعيد، أهمها دفع الناس العاديين للكفر بالثورة وتفضيل نظام الأسد القاتل عليها، وإعطاء الأسد ورقة للتجارة مع الغرب بقوله إنه يقاوم الإرهاب ويحمي الأقليات من التطرف الإسلامي، وهذا ما بدا واضحا في كلام وفد النظام إلى جنيف ومتاجرته بورقة المسيحيين، هذه الأيام.
ولكن رغم كل ما هو معروف عن هذا الأمر، تبقى الشهادة الحية قوية ومؤثرة في الوجدان والعقل أكثر من الكلام النظري، وهذا ما أحاوله في هذه المقالة السريعة. فقد زارني أحد الأصدقاء الأدالبة وروى لي قصتين حدثتا مع أفراد من عائلته في إدلب واللاذقية، وقد رأيت فيهما تعبيرا واضحا عن تكامل أدوار الفساد والتسلط والنهب والقتل في نظام الأسد بوجهيه، التشبيح الطائفي والتشبيح الداعشي.
منذ ما يقارب العام والنصف،تركت إحدى أخوات صديقي هذا مدينة إدلب مع زوجها وأولادها واستقروا في مدينة اللاذقية، وهناك تم اعتقال أخ الزوج مع آلاف السوريين الذين كان يتم اعتقالهم، ورغم المحاولات المستمرة لمعرفة مكان اعتقال الشاب إلا أن العائلة لم تستطع الحصول على أي خبر مطمئن عنه، وبقيت العائلة معلقة بحبال الأمل. منذ ما يقارب الشهرين زارتهم امرأة وقالت لهم إنها تعرف أين هو ابنهم المعتقل، وتستطيع إخراجه من السجن مقابل مليون ليرة سورية ستتقاسمها مع الضباط المسؤولين عنه. وعلى الرغم من سماع العائلة عن بعض حالات النصب والخطف بهدف تحصيل فدية مالية، إلا أن عائلة السجين تجاهلت تلك المعلومات، آملة أن يكون نصيبها أحسن من نصيب غيرها، وهكذا قامت النساء والرجال ببيع مصاغهم وممتلكات أخرى، وتم جمع نصف مليون ليرة، على أن يتم دفع بقية المبلغ بعد خروج الشاب من السجن، أخذت المرأة المعروفة في اللاذقية بعلاقتها وقرابتها لبيت الأسد واختفت، وعندما استطاع أحدهم الوصول إليها وسؤالها عن الشاب السجين قالت: لقد تم إطلاق سراحه فعلا ولكن وهو في طريق العودة تم خطفه من قبل الجيش الحر، هذه الرواية التي تم استخدامها عشرات المرات، وكان من أشهرها قصة اختطاف الدكتور عبد العزيز الخير على طريق المطار، وإعلان النظام الأسدي أن الجيش الحر هو من خطفه.
في الوقت نفسه تقريبا، يعني قبل شهر ونصف، هاجمت مجموعة كبيرة من رجال داعش بيتا على أطراف مدينة إدلب واعتقلت من كان فيه وهم شابان في العشرينات من العمر وسيدة خمسينية هي أم أحد الشابين وعمة الآخر. واقتادت الجميع إلى مقر الدولة في "الدانا"، في اليوم التالي تم إطلاق سراح الشابين عراة إلا من السروال الداخلي، وتم التحفظ على المرأة الخمسينية التي هي أخت صديقي، التي اختفى أثرها منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.
سألت صديقي تفسيرا لذلك، ولماذا أطلق تنظيم داعش سراح الشابين واحتفظوا بأخته، فقال: هناك أسباب متعددة، منها أن أختي كانت تساعد الجيش الحر في المشافي الميدانية، فتعمل كممرضة متطوعة، وكانت تهاجم داعش منذ ظهورها، لأنها كانت تستهجن طريقتهم في تطبيق الإسلام وفي فهمه الغريب عن مجتمعنا، ولكن السبب الحقيقي هو أنها حددت مسؤولا من داعش بعينه، قائلة أمام جمع من أهل إدلب: متى أصبح هذا الحشاش أميرا في داعش، جميع أهل إدلب يعرفون أن هذا الرجل سيء الخلق والسمعة، ومعروف عنه أنه يتعاطى المخدرات ويسرق ويعتدي على أملاك الناس وكان عميلا عند مخابرات النظام قبل قيام الثورة، فهل من المعقول أن يكون أميرا علينا، وأمينا على إسلامنا؟
على كل حال هذا الرجل بحد ذاته شهادة كافية عن نوعية الأشخاص الذين يعملون مع داعش، رغم وجود بعض الناس الطيبين بينهم، الذين يحتاجون إلى لقمة الخبز.
وتابع صديقي كلامه، وقال: بعد انحسار داعش وخروجها من كامل المحافظة، بحث الجميع عن أختي ولم يجدوا لها أثرا حتى في المقابر الجماعية لداعش التي تم الكشف عنها في "الدانا"، ولا يزال البحث مستمرا.
هل انتهت المأساة وعرف الناس من هي دولة العراق والشام الإسلامية (داعش)؟ أشك في ذلك، أن ما حصل لهذه العائلة الإدلبية في إدلب واللاذقية حصل ويحصل لملايين السوريين، فالساحة السورية ساحة مفتوحة على جميع الاحتمالات، وتعمل فيها كل أجهزة المخابرات في العالم باسم الدين والوطنية والتقدم والطائفية وكل الشعارت ما مات منها وما سيولد، وما على السوريين إلا الصبر والوعي لمتابعة ما بدأه الشهداء والمعتقلون منذ سنوات ثلاث مضت لإنجاح ثورة الحرية والكرامة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية