أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل نذهب إلى جنيف أم إلى حلب؟

استيقظت في الثانية صباحا، وهذا أمر عادي لرجل في عمري، فأنا أذهب أكثر من مرة في الليلة الواحدة إلى الحمام، ولكن ما لم يكن عاديا هو عدم قدرتي على النوم من جديد، بالتأكيد لم يكن قلقي سببه ذهاب الائتلاف إلى جنيف أو تراجعه عن الذهاب ثم تراجعه عن التراجع، فولدنات المعارضة بكل تشكيلاتها، كنت قد ألفتها مع الكثير من السوريين، ورغم أنها مصدر قلق جزئي، إلا أنها لا تستطيع أن تمنع النوم من الزحف نحو عيوني، فهي لم تستطع، طوال ثلاث سنوات من عمر الثورة، منع أي نوع من الزحف الضار باتجاه السوريين، فماذا حدث؟

حاولت البحث عن أسباب عدم قدرتي على النوم من جديد، استرجعت بذكراتي المواد التي التهمتها مساء، ونطلق عليها تجاوزا اسم عشاء، بينما هي في الحقيقة أقرب إلى العلف، فلم أجد بينها ما ينبه الأعصاب أو ينشط الأحلام الممنوعة، تركت السرير وتفحصت وضع الشرشف وأعدت تمسيده وتسويته، فأنا، وكما تقول زوجتي، لا أتوقف عن "البحت" والتقلب وإطلاق المفرقعات في السرير منذ زواجنا، وإذا كان من مبرر لذلك في سنوات زواجنا الأولى فلم يعد له أي معنى الآن، في هذا العمر، إلا ما كانت تطلقه علي من صفة "كتير الحركة بس بلا بركة"، فأنا سوري ومعارض، ومن شابه معارضته ما ظلم. عدت إلى مكاني، ممنيا النفس بالنوم فما استطعت إليه سبيلا.

قطعت سلسلة تأملاتي وتداعياتها الخرافية ومددت يدي إلى كتاب ينام بقربي منذ سنوات، أستنجد به كلما اشتد بي الحنين إلى الشرق، فأغرق فيه، رغم أنني قرأته مرات عديدة، إنه رواية سمرقند، لأمين معلوف، وقرأت فيه: "وفي ساحة تجار الزبل اقتربت من الخيّام امرأة حامل. وإذ كانت قد رفعت نقابها فقد بدا أنها تكاد تكون في الخامسة عشرة من العمر. ومن غير أن تنبس بكلمة ولا أن ترتسم ابتسامة على شفتيها البريئتين اختلست من يديه بضع حبات من اللوز، فهناك اعتقاد قديم في سمرقند: حين تصادف المرأة التي ستغدو أُمّا إنسانا غريبا يروقها شكله فإنه ينبغي عليها ان تتجرأ على مشاطرته طعامه، وبذلك يغدو الولد في مثل جماله وقامته الممشوقة وقسماته المليحة التامة".

وتذكرت معارضتنا في اسطنبول. في ذلك الزمن، عندما كان عمر الخيام في سمرقند، كانت المدينة من أجمل مدن الدنيا، وكان المتنافسون على حكمها هم من الأمراء الأتراك الذين يتبعون اسميا إلى بغداد، عاصمة العالم في وقتها، وتذكرت عاصمة العثمانيين، التي زرتها قبل أشهر، وقد أصبحت عاصمة السوريين المعارضين لنظام الأسد والمهجرين والهاربين من بطشه، بحثت في ذكرياتي عن امرأة سورية في اسطنبول تشبه المرأة السمرقندية التي مدت يدها لتأكل من يد عمر الخيام فلم أعثر إلا على صور النساء السوريات والأطفال السوريين وهم يمدون أيديهم للشحاذة في شوارع اسطنبول، أو صورهم وهم عراة وجوعى في مخيمات اللجوء على حدود الدول المجاورة، بينما رجال معارضتنا البواسل الذي يقاومون الذهاب إلى جنيف أو أولئك الذين يؤيدونه يحتلون الفنادق والشقق الفاخرة في اسطنبول والقاهرة وباريس ونيويورك وعمان والرياض ومدن الخليج.

وذكرني خلاف المعارضة السورية حول جنيف بحكام القسطنطينية، الذين كانوا منهمكين في البحث عن جواب لسؤال: هل البيضة كانت قبل الدجاجة أو العكس، في الوقت الذي كان فيه القائد التركي محمد الفاتح يحاصر مدينتهم ويفتحها لتكون فيما بعد عاصمة الدولة العثمانية، بل عاصمة العالم بعد القضاء على بغداد والقاهرة وتحويلهما مع دمشق إلى مدن هامشية في الامبراطورية العثمانية.

في الخامسة صباحا، كان التعب قد نال مني قبل أن أجد جوابا يقنعني: هل نذهب إلى جنيف أم نجعل جنيف تأتي إلى حلب؟
ونمت على أمل أن يقول ثوار سوريا كلمتهم النهائية في مستقبل ثورتهم.

(138)    هل أعجبتك المقالة (130)

افرام ابو جورج

2014-01-21

انها مقاله جديره بالاحترام وفي ملامحها تشبه وكأنك كالمولود الذي تجره من رحم الواقع.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي