لعلها المرة الأولى التي تتولى الصفحة الرسمية لجبهة النصرة الرد على أي تنظيم عسكري، فكيف بها وهي ترد على تنظيم الدولة الإسلامية للعراق والشام.
فقد عرف عن الصفحة الرسمية للجبهة التزامها الدقيق بنشر أخبار المعارك مع قوات الظام فقط، وعدم دخولها في نشر أي أخبار أخرى.. ولكن يبدو أن قضية "أبو سعد الحضرمي" أمير النصرة في الرقة الذي اعترفت "الدولة بإعدامه، قد "تقيحت" أكثر مما يُظن، حتى دفعت صفحة "النصرة" للخروج عن "عُرفها"، كما دفعت من قبل أمير النصرة (الجولاني) للخروج عن صمته، واتهامه "الدولة" علنا وصراحة باعتقال "الحضرمي" بتهمة الردة.
وهاهو دليل جديد ورسمي يتكشف، كما قالت "زمان الوصل" من قبل، على أن قيادة "النصرة" فجعت بنبأ مقتل "أميرها" على يد "الدولة"، وأنها لم تكن تدري بالخبر حتى أذاعته "الدولة" في بيان رسمي على الملأ، ومما زاد في فجيعة النصرة بالخبر، أنهم كانوا قد حصلوا على تأكيدات من الدولة مقرونة بـ"أيمان مغلظة" على أنهم لايعلمون مصير "الحضرمي" وأنه ليس معتقلا عندهم أصلا.
ومما قالته النصرة في بيانها المنشور على صفحتها الرسمية: قبل قرابة الثلاثة أشهر اختُطف الشيخ أبو سعد الحضرمي -تقبله الله- أمير جبهة النصرة في الرقة، وذلك أثناء مروره في منطقة دير حافر شرق حلب، وأُشيع وقتها في إعلام النظام النصيري أنَّ بعض الأهالي اختطفوه وسلَّموه للنظام!! وقد سألنا جماعة الدولة في الرقة على مدار شهرين ونصف عن الشيخ وهم ينكر ون وجوده تماما! بل ويقسمون الأيمان المغلَّظة أنه ليس لديهم وأنهم لايعرفون مكانه، ثم فوجئنا ﺑﻬم منذ نحو ثلاثة أسابيع يعترفون أنَّه لديهم ووعدونا خيرًا بإطلاق سراحه وأنه ليس عليه شيء! ثم صرَّح أحد شرعيي الدولة في الرقة أن أبا سعد الحضرمي -تقبله الله- مرتد! وأنَّ هذا الأمر معروف وثابت لديهم! فخشينا عليه وطالبنا بسرعة الإفراج عنه، ليأتينا الرد صريحا في بيان منسوب لولاية الرقة يعترفون فيه بردَّ ته وقتله!
وفي نبرة تدل على شقاق حقيقي أوقعته حادثة قتل "الحضرمي" بين الفصيلين، يتابع بيان النصرة: إنَّ هذا التصرف لا يليق بجماعة جهادية صغيرة في ساحة مثل الشام فضلاً أن تكون جماعة تدَّعي أنها دولة إسلامية! فأين هي المحكمة الشرعية التي حكمت عليه؟ وأين هو إقراره واعترافه؟ ولماذا ماطلتم كل هذه المدة طالما أن القضية ﺑﻬذا الوضوح وهذه البساطة!؟
وسبق لـ"زمان الوصل" أن توقعت خلال متابعتها لملابسات قتل "الحضرمي" أن تكون هذه الواقعة أكبر وربما آخر أسفين يدق في علاقة التنظيمين (الدولة والنصرة)، كما بينت "زمان الوصل" أن "الحضرمي" سوري وليس من خارج سوريا كما توحي كنيته، وهو ما أكده بيان النصرة، الذي عرض لبعض سيرة "الحضرمي"، قائلا: أبو سعد، الحضرمي لقبا، من أبناء مدينة الرقة؛ كريم جواد، بشوش خلوق، ما لقيه أحد إلا أحبه، لا تكاد تم يِّزه وسط إخوانه من شدة تواضعه، صاحب التزام قديم بالمنهج السلفي لاقى بسببه ما لاقى من الطواغيت، من أوائل من خرج في وجه النظام النصيري في مدينة الرقة، وما
لبث أن بايع جبهة النصرة مع مجموعته، وفتح الله على يديه مدينة الرقة بالاشتراك مع بعض الفصائل الأخرى، وهي أول مدينة تُحرر بالكامل من سيطرة النظام النصيري، وكان لأبي سعد -بعد فضل الله تعالى- النصيب الأكبر فيما تنعم به جماعة الدولة اليوم، فهو من قام بعملية تحرير مبنى المحافظة وأسر المحافظ في مدينة الرقة، والتي كانت فاتحة لتحرير المدينة كلها وزوال عرش النظام النصيري فيها، فيالله العجب من ردة وقع فيها هذا البطل اﻟﻤﺠاهد!! تقبله الله في الشهداء وأعلى نزله يوم الدين.
وتابع البيان موضحا سبب نقمة "الدولة" من "الحضرمي": ثم لما كان ما كان بين جماعة الدولة وجبهة النصرة، كان رأيه هو وثلة من إخوانه أن يظلوا مع جبهة النصرة حتى يأتي رد الشيخ أيمن الظواهري، إلا أنه احتيل عليه ليبايع الدولة بانتظار الرد من الشيخ والذي سيلتزم به الجميع بإذن الله -كذا زعموا!-، فلما جاء الرد كما هو معلوم، وبعد ما رأى بعينه ما يرتكبه والي الرقة ومن حوله من جرائم وتعذيب بحق الأبرياء بأدنى شبهة وأتفه الأسباب، ترك جماعة الدولة وعاد إلى جبهة النصرة متبرّئا ممَّا رآه، وكان يتحدث عن بعض ما شاهده من مظالم في جماعة الدولة لبعض المقربين منه ولعل هذا هو السبب الحقيقي لجريمة قتله.
وفي تأكيد آخر على ما ذهبت إليه "زمان الوصل" من أن التزام "الحضرمي" بتوجيهات "الظواهري" هو الذي "جنى عليه" في عيون "الدولة" فاستحق الإعدام، يقول بيان النصرة: "ولنا جميعا أن نتساءل كيف يكون المدَّعِي هو الخاطف وهو القاضي والحاكم، وهو نفسه المنفذ، ولعله أيضًا المعذِّب له!، مع العلم أنه ليس بين اختطاف أبي سعد الحضرمي وبين تركه لإمارة مدينة الرقة في جماعة الدولة سوى قرابة ٢٠ يومًا فقط!! فكيف أمسى ﺑﻬذه السرعة من أمير مقدَّم لديكم إلى مرتد عميل، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم!"
وبلغة هجومية قاسية، ولا تخلو من اتهامات صريحة، تابع بيان النصرة: ثم إننا ندعو الورع التقي! الذي يقول في بيانه أنه يقيم الحكم على الشريف والضعيف أن ينظر إلى حاله، فما للشرفاء لديكم في الرقة يسرحون ويمرحون بلا رقيب أو حسيب، وقد ولغوا في كثير من المظالم والدماء المعصومة، والتي لدينا فيها قائمة بأسماء من قُتلوا بغير محكمة شرعية وبعد أشد أنواع التعذيب، فإن كان هذا فعلكم مع أمير جبهة النصرة في الرقة فكيف هو مع ضعفاء الرقة الذين لا حول لهم ولا قوة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
واللافت في البيان أن النصرة ابتعدت عن تسمية تنظيم البغدادي باسم "الدولة الإسلامية"، بل حرصت على استخدام عبارة "جماعة الدولة"، تقليلا من شأنها، وتدليلا على عمق الهوة التي باتت تفصل بين الكيانين، وقد خلص البيان إلى مطالبة "جماعة الدولة في الرقة بأن يسلِّموا كل من تمالأ على قتل أمير جبهة النصرة الشيخ أبي سعد الحضرمي لمحكمة شرعية مستقلة، وإلاَّ فإن عقوبة القصاص في كل من تمالأ على قتله هي العقوبة المستحقة على الجاني.
وواصل البيان: نشير هنا أن توجيهات قيادة جبهة النصرة لجنودها في الرقة كانت -فقط- بالدفاع عن النفس ضد أي اعتداء، وما جرى من قتال مع جماعة الدولة في الرقة كان ردًّا على اعتداء الدولة على أحد الحواجز والمقرات ورميه بالرصاص، إلا أن الأمر تطوَّر إلى ما وصل إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومنذ بدء الاشتباكات هناك وإلى يومنا هذا وقيادة جبهة النصرة تطالب أمراءها في الرقة لدعوة جماعة الدولة لوقف القتال والنزول لشرع الله، ولجماعة الدولة أن يتذكَّروا عندما قام أحد جنود جبهة النصرة بقتل جندي من جنود الدولة على إحدى الحواجز خطأً أن المحكمة الشرعية عُقدت في غضون ثلاثة أيام من شرعيي الطرفين و قُضي في الأمر باستحقاق الدية، وانتهت المشكلة بشرع الله. فيا ليت قيادتكم كانت سبَّاقة في مثل قضية أبي سعد أو غيره أن تُحلَّ بالقضاء الشرعي وبما يُرضي الله عز وجل.
وختم البيان مطمئنا "أهل أبي سعد الحضرمي وعشيرته وإخوانه.. أن دم الشيخ أبي سعد الله- لن يضيع هدرًا، وسيتحقق قصاص الله عدلاً، حكمًا منه وشرعًا، شاء من شاء وأبى من أبى".
إيثار عبدالحق - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية