في إطار البحث عن هوية للمسرح العربي، وكمحاولة جادة لتأصيله وتطويره بما يتماشى مع حركته الثقافية والفنية في العالم، يقام مهرجان المسرح العربي في دورته السادسة من 10 ولغاية 16 يناير/ كانون الثاني الجاري في إمارة الشارقة، مستضيفاً نخبة من العروض المسرحية العربية وأبرز العاملين والمتخصصين في هذا المجال ضمن مناخ أكاديمي يسعى إلى الفن لتحقيق المتعة والفائدة جنباً إلى جنب.
تحاول الدورة السادسة من المهرجان أن تجمع جمهوره من المسرحيين والمهتمين بالفن الفقير، في ظل ما نعيشه اليوم من إهمال واستبعاد له، بعد أن ذهب مجتمعنا نحو ثقافة الاستهلاك والثقافة التقنية الجديد بمفرزاتها الغريبة والمختلفة، متتبعاً هذا الأخير، حركة التطور السريع المصاحبة لوسائل الاتصال الحديثة. وهنا كان لا بد أن يعي المهرجان مهمته الصعبة الكامنة في نشر الوعي المسرحي بين أبناء الجيل الجديد، لذا نجده استضاف في عروضه فرقاً مسرحية شابة، توازي المشاهد الجالس أمامها في صالة العرض، وتشاركه همومه، مجسدةً إياها عبر الفن، وعروضاً مسرحية تتقاطع مع الواقع العربي المعيش في معطياته المكانية والزمانية.
وتأتي استضافة الشارقة للحدث هذا العام، بعد ما أثبت وجوده وأهميته في الوسط الفني والثقافي، وأصبح الموعد الأهم على خارطة مهرجانات المسرح العربي، حيث استطاع توطيد أركان الفن الذي لطالما عكس في أحداثه وشخصياته، حياة الشعوب بكل تنوعاتها وتقسيماتها الاجتماعية والاقتصادية وروى كيف يمكن للسياسة أن تكون بطلاً رئيسياً في كل التفاصيل والأشياء الحاكمة لنا والتي نصادفها يومياً، سواء أكانت صغيرة أم كبيرة، وسواء كنا نرغب بذلك أم مجبرين.
• حلمٌ شاب
ومن بين العروض الشابة يتألق "حلم بلاستيك" من مصر لفرقة "أتيليه الممثل" من إخراج شادي الدالي، ليؤكد أن المسرح المصري لا يزال مستمراً رغم كل الظروف والأحداث التي عصفت بالبلد خلال الثلاث سنوات الماضية، مضيئاً في الوقت ذاته، على المعاناة التي واجهت الفرقة في محاولتها لتقديم عرض مسرحي أمام جمهور واسع من الجنسيات كافة في بلدان مختلفة، ومشاركته في المهرجان على أرض الشارقة.
بمنتهى الجمالية والإبداع، مزج "حلم بلاستيك" مناظره المسرحية على الخشبة، بالفن التشكيلي، ما يشرح توجه الفرقة نحو مسرح حداثي يستقي عناصره من كل الفنون ولا يكتفي بالقواعد الكلاسيكية القديمة التي قام عليها الفن الفقير. وقد تمّ تسخير هذا الإطار الفني الفرجوي لمحاكاة هموم وقضايا ساخنة تمسّ المواطن المصري، وخاصةً الشباب الذين لا زالوا يؤمنون بتحقيق الحرية والديمقراطية.
• غضب الحرافيش
الواقع الاجتماعي والسياسي يتجذر في المسرحية الإماراتية "نهارات علول" للمخرج المسرحي حسن رجب، والتي تروي كيف تعيش جماعات من الناس "الحرافيش" في مجتمع صغير على جمع العبوات الفارغة كل يوم من الحاويات وأماكن تجمع القمامة وكأن عقولهم تبرمجت على هذه الوظيفة حتى باتوا لا يفكرون بغيرها، ولا يفعلون شيئاً إلا هذه المهمة. إلا أن "علول" الشخصية الرئيسية يبدو مختلفاً للغاية، هو شخصية حرة متمردة تسعى إلى تغيير الواقع القميء.
الحاكم في المسرحية يتطاول على خطيبة علول ويسعى إلى بقاء الشعب مخدراً بتلك المهمة إلى الأبد حتى لا تسنح له الفرصة بالتفكير والتغيير، إلا أن رصاصة حارس القصر التي أصبت خاصرة علول وجعلته ينزف مطولاً، غيرت كثيراً في وضع المجتمع. فبعد ما التأم جرحه ولم يعد له من أثر صار الحرافيش يعتبرونه مباركاً له كراماته، ولا يموت أبداً.. لكن وبعد الحكم النهائي على علول بالإعدام، وتجمهر الحرافيش لرؤية ما سيحدث، كانت "الثورة" بكل ما في الكلمة من معنى. وما جرى بالضبط أن الرصاصتين استقرتا في صدر علول الذي سقط على الأرض كجثة لا تتحرك. وهنا لم يجد الحرافيش إلا الغضب والركض خلف رجال الأمن والحراسة الذين راحوا يركضون هاربين خوفاً من الغضب العارم، فانقلب الوضع رأساً على عقب. وأما علول فلم يمت، لقد عاش من جديد وبقيت الرصاصتان تتحركان في جسده من جديد.
• محاكمة النخبة المثقفة
وعن نص "خطبة لاذعة ضد رجل جالس" لغارسيا ماركيز، يشارك العرض المسرحي السوري "ليلي داخلي" للمخرج سامر محمد اسماعيل، كورقة احتجاج على الواقع السوري تعكس في مشاهده عيوب وخفايا النخبة المثقفة التي نكتشف أن شخصياتها من أكثر الشخصيات انتهازية في المجتمع.
تحكي المسرحية عن مهاجمة زوجة "الفنانة روبين عيسى" لزوجها المثقف جداً (الفنان بسام البدر) في ذكرى عيد زواجهما العاشر، بسبب تكسر مبادئ هذا الأخير على عتبة الواقع السوري اليوم، دون أن ينطق الأخير ولو بكلمة. ما جعلنا أمام حوار يشبه المونولوج الداخلي يعرّي مثقفينا اليوم ويسأل أسئلة كثيرة تتعلق بالدرجة الأولى بما يحدث فعلاً في سوريا. فما هي مهمة المثقف في الحرب؟ كيف له أن ينهض بمجتمع؟ هل نبرر له انتهازيته وخيانته للأفكار التي لطالما "نقر" رؤوسنا بها؟
يشكل العرض تشريحاً نفسياً واجتماعياً للنخبة المثقفة وتعريةً لمواقفها وأفعالها لحظة الاختبار. كما أنه يسلط الضوء على مهمة الآخر في الا يتقبل ويسكت على الانتهازية الواضحة والممارسة أمامه. مهمتنا تكمن في فضح هذه الأكاذيب وتجنب الوقوع فريسةً لها.
ميدل ايست أونلاين - رضاب فيصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية