أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حديث الثورة "ضرب الجوامع"

ظاهرياً، لم تكن للديكتاتور حافظ الأسد أيةُ مشكلة أو حالة عدائية مع الجوامع.. ولماذا يُعاديها إذا كانت لا تُشَكِّلُ خطراً مباشراً على مشروع جمهوريته الوراثية الاستيطانية؟.. 

لعله من باب الاحتياط، أو من قبيل الحرب الوقائية، أن حافظ الأسد وجه للجوامع السورية ضربة ماحقة، أو: "ضربة معلم"!.. وذلك حينما أمر بافتتاح سلسلة معاهد لتحفيظ القرآن الكريم، ترعاها وتُمَوِّلُها وزارةُ الأوقاف، وتتمركز في الجوامع!.. وأطلق عليها اسم "معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم"!.. ولست أدري إن كانت هذه أول مرة في التاريخ يَقْتَرِنُ فيها اسمُ مجرم تاريخي مثل حافظ الأسد باسم القرآن الكريم.

أذكرُ، وأنا فتى في الرابعة عشرة من العمر، بتاريخ 23 شباط 1966، حينما قامت مجموعة من الضباط على رأسهم صلاح جديد وحافظُ الأسد بأول انقلاب بعثي على حكم البعث، أشاعوا بين الناس أن رئيس الدولة السابق محمد أمين الحافظ لم يتوانَ، أثناء محاربة خصومه، عن ضرب جامع السلطان في حماه بالمدافع سنة 1964!.. فكنا، نحن أبناءَ الشعب الطيبين، نندهش ونقول: 

يا ساتر! الحمد لله الذي خلصنا من محمد أمين الحافظ ومن حكمه الذي لا يرعى حرمة لبيوت الله الحرام.  
بين عامي 1979 و1982، هَدَّمَ حافظ الأسد عدداً كبيراً من المساجد في حماه وحلب، (وربما في مدن أخرى.. لست أدري) ليس بالمدفعية الثقيلة وإنما براجمات الصواريخ!.. وفيما بعد، حين استتب له الحكم الاستيطاني، أمر بإعادة بناء الجوامع المهدمة، وبناء جوامع جديدة.. 

ومن الطرائف التي يتناقلُها رجالُ الإحصاء وهواة المقارنات واحدةٌ تقول إن ما بُني من مساجد في عهد الأسدين حافظ وبشار أكثر مما بني منها خلال العصور السابقة، كلها، مجتمعة! ولعل الوقت قد حان اليومَ للقول بأن ما هُدِّمَ من جوامع في عهد الأسدين حافظ وبشار يفوق ما هدم من جوامع في التاريخ الإسلامي كله!
في بداية الثورة السورية، وبينما أنا في بيتي بمدينة إدلب، إذ رن الهاتف، وأخبرني أحد المتصلين أن مجموعة من الشبيحة في معرتمصرين اقتحموا جامع "الفاروقي"، وكسروا بعض محتوياته، وتركوا وراءهم عدة صور للمجرم الصغير بشار الأسد، وغادروا المكان، وأن الحديدة، الآن، حامية في البلد، ويمكن ان تحدث فتنة، ولذلك نتمنى أن تأتي حالاً.

حينما وصلت إلى معرتمصرين وجدتُ أن الأهالي سبقوني إلى تطويق المشكلة، وأن بعض العقلاء من البعثيين في البلدة أحضروا الشبيحة المتمردين وأجبروهم على الاعتذار.. وليس هذا مهماً بحد ذاته، ولكن المهم أن الشبيحة اقتحموا أكثر من جامع في المدن السورية، بنفس الطريقة، وكأن لديهم شعوراً خفياً بأن الخطر سيأتيهم، في قابل الأيام، من الجامع.

في الأشهر الأولى من الثورة استطاع أحدُ المصورين الشبان الحصول على لقطة مدهشة لدبابة تطلق قذيفة على أحد الجوامع في دير الزور، بقوة، وبلؤم، مع سماع صوت مرعب ترافق مع ارتطام القذيفة بجسد المئذنة، ورأيناها تنكسر مثلما تنكسر الخيارة الطازجة!

يومها استحلت الجزيرة والعربية وبي بي سي والحوار وأورينت هذه اللقطة البارعة، وحولنها إلى فاصل (سلوجون) للحديث عن الثورة السورية، وكان عرضها يؤجج مشاعر السوريين، ويشحنها بالغضب ضد هذا النظام المجرم، الذي لا يعرف حرمة للمقدسات، ولا تهمه مشاعر الشعب المسلم.

في السابع والعشرين من رمضان الذي تلا هذه الحادثة، وجرياً على عادة قديمة أسسها حافظ الأسد، استقبل بشار الأسد مجموعة من رجال الدين الإسلامي القادمين على مائدة الإفطار. يومها لم نر من مجريات اللقاء سوى بعض اللقطات المتفرقة.. ولكننا فوجئنا، بعد أيام، بتسجيل لحديث لبشار الأسد يفندُ فيه أكاذيب القنوات المغرضة التي زعمت أن جيش النظام يضرب المآذن بالمدفعية.. وكان يشرح للمشايخ قائلاً: 

أنا عسكري وأعرف جيداً، أن المئذنة، حينما يتمركز فيها الإرهابيون، لا تحتاج لأي نوع من المدفعية، ويكفي لضربها رشاش (50ر14)، أو في الحد الأقصى 23! 

هذا كان في بداية الثورة، وأما الآن فأصبح تدمير الجوامع في سوريا على قدم وساق.

مناسبة هذا الحديث، أن الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) فَجَّرَتْ، الأسبوع الماضي، "جامع الشيخ هلال" في منطقة "اعزاز" بريف حلب.. لم تفجره، بالطبع، بسبب وجود إرهابيين فيه- كما تفضل الأسد بالشرح- بل لأن الأهالي يعتقدون بوجود ولي ذي كرامات فيه!

من كتاب "زمان الوصل"
(130)    هل أعجبتك المقالة (196)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي