فيما يبدو أشبه بالأفلام الهوليودية قررت قيادة الائتلاف الوطني السوري عقد مؤتمرها العام في مكان سري بعيدا عن اسطنبول ، وطلب أمينه العام بدر جاموس من الاعضاء القدوم الى مقر الائتلاف صباح يوم الاجتماع ليذهبوا من هناك سويا باتوبيسات جماعية . علما أن المكان السري ستمنع فيه الهواتف وجميع أجهزة الاتصال وبطبيعة الحال كل وسائل الاعلام.
لكن مانسيه الائتلاف أن الاعلام السوري الجديد الذي ولدته الثورة لايشبه أبدا إعلام النظام في كسله وتراخيه وعدم قدرته على أداء وظيفته الحقيقية كسلطة رابعة . وربما يكون من عيوب الائتلاف منذ إنشائه أنه لم يقرأ فعلا التغيرات الجذرية التي حصلت وتحصل في المجتمع السوري بكل شرائحه ، وهو مايؤكد مقولة أنه كان دائما بعيدا عن نبض الثورة الحقيقي وآثارها الكبيرة.
لكن هذا الاخراج الذي يحاول الائتلاف القيام به يظهر درجة حساسية الاجتماع الذي ربما يكون مفصليا في تاريخه العتيد وربما فيما يتعلق بمسيرة الثورة السورية بأسرها . لأن هناك قرارات مصيرية ستحصل خلاله وخاصة فيما يتعلق بمؤتمر جنيف2 وانتخابات قيادة الائتلاف . فالموضوعان مترابطان بشكل كبير .
وقد تبين لنا من تحقيقاتنا التي نقوم بها منذ أسابيع من مختلف المصادر أن هناك مايشبه الحروب الصغيرة التي تجري وراء الكواليس في الأسابيع الأخيرة.
وهناك ترتيبات منها ماهو سري ومنها ماهو علني تجري لإعادة ترتيب التحالفات بناء على على المصالح الخاصة و (المكافآت) المنتشرة بكثرة في الأسابيع الاخيرة من ناحية ... و من ناحية ثانية بناء على المواقف المبدئية من القضايا المختلفة، إذ يبدو بغض النظر عن المواقف الإعلانية أن هناك تباينا كبيرا بين فريقين في الائتلاف من موضوع جنيف2 تحديدا ، ومن طبيعة ولاعبي المرحلة الانتقالية ، ومن الدور الذي يجب أن يعطى للمجموعات المقاتلة في الداخل ، واستخدام ثقلها وربما وجودها في ترجيح كفة المفاوضات إن حدثت لصالح المعارضة والثورة . ويبدو هذا مبنيا على تفاوت العلاقة بين الطرفين بتلك الفصائل والقدرة على التأثير فيها.
ورغم أن العلاقة والقدرة على التأثير تبقى نسبية بسبب استقلالية الفصائل وطريقة تفكيرها الخاصة تجاه المسار السياسي إلا أن المعلومات تشير إلى أن تلك الفصائل صارت أكثر واقعية من قبل وبالتالي فإنها كانت تبحث في الشهرين الماضيين عن أطراف سياسية في الائتلاف تحديدا تكون قادرة على الثقة بها ، وهو مانتج عنه الواقع الحالي حيث باتت فيما يبدو الشريحة القريبة في الائتلاف من مصطفى الصباغ الامين العام السابق هي الاقرب لتلك الفصائل من وجهة نظرها.
لاتخرج من الصباغ في اجتماعاته تفاصيل كثيرة عن الموضوع ، لكن المؤكد أن الرجل الذي كان متهما سابقا بأنه اخواني هو ذو خلفية اسلامية تجعله أقرب للفصائل ، وإن انتفت عنه تماما تهمة الأخونة بعد تحالف الإخوان مع الآخرين ضده وحربهم الشعواء السرية والعلنية عليه . علما أن علاقة الإخوان بالفصائل هي في الحضيض.
ويبدو عموما أن الاخوان خسروا ولايزالون يخسرون رصيدهم بشكل متواصل ، الأمر الذي يفسر تمسكهم بالتحالف مع أي شخص أو جهة لهما صفة قيادية بغض النظر عن الخلفية ، خوفا من بقائهم بلا دور تدريجيا . ورغم أنهم يعرفون أن الأطراف الليبرالية والعلمانية تعتبر علاقتها معهم علاقة مصلحة وكسب أصوات إلا أنهم لايمانعون في هذا في هذه المرحلة على أمل أن يصفوا حسابهم معهم في المستقبل كما يتداولون في اجتماعاتهم .. لأن رصيدهم أصبح ضعيفا جدا بين الإسلاميين الذين يفترض أن يكونوا حلفاءهم . كما أنهم يحاولون جاهدين إحداث اختراقات بأي طريقة ، فقد أصبحوا عن طريق كل من أحمد رمضان وعبيدة النحاس قريبين جدا من الألمان ، وكان هذا واضحا جدا مؤخرا في اجتماعات بخصوص جنيف2 كانوا حاضرين فيها مع أفراد آخرين من المعارضة . إضافة إلى أنهم يدرسون بجدية فتح تواصل مع إيران في أقرب وقت...
وفي التفاصيل أن هناك بعض الصفقات الكبرى التي تتم خاصة فيما يتعلق بالانتخابات لقيادة الائتلاف . فرغم الاعتقاد السائد لدى البعض بأن الرئيس الجربا ومجموعته سيعاد انتخابها وخاصة الأمين العام والغالبية من أعضاء الهيئة السياسية وفي مقدمتهم هادي البحرة ومنذر آقبيق وفايز سارة ، إلا أن هناك معلومات متواترة أنه قد حدث اختراق لهذه المجموعة من قبل الصباغ ومجموعته . إذ يبدو أن الامين العام الحالي كان الى فترة قريبة مواليا جدا للجربا لأسباب عديدة ... لكن الظروف المتغيرة في الآونة الاخيرة جعلته يشك في امكانية بقائه في موقعه فطلب بسبب هذا عقد صفقة مع الصباغ يُصبح فيها نائبا للرئيس في التشكيلة الجديدة المتوقعة.
وقد تكون شكوك جاموس في مكانها تماما لأن المعلومات من مصادر متنوعة داخل وخارج الائتلاف تشير إلى تواصل الرئيس الجربا مع الصباغ نفسه بشكل سري ليعرض عليه العودة الى موقع الامين العام مقابل بقاء الجربا في موقع الرئاسة . بل إن جهات عديدة في الائتلاف وفي الهيئة السياسية تحديدا تتواصل سريا مع الصباغ الذي يبدو واثقا بنفسه وبقوة مجموعته في الآونة الأخيرة . وقد تكون العلاقة التي تحدثنا عنها مع القوى المقاتلة على الارض من أسباب تلك الثقة ومعها ادراكه بأن القوى الاقليمية والدولية لاتتغاضى عن الأمر الواقع الذي تفرضه هذه القوى . هذا فضلا عن أن عداء الإخوان له وماهو معروف عن واقعيته والموقف الحاسم من إيران وغير ذلك من العوامل يمكن أن تجعل علاقاته أفضل بكثير مما سبق مع دول خليجية مؤثرة جدا كانت علاقتها به أضعف في السابق.
وقد يفسر هذا تشكيل تحالف جديد قوي يضم أكثر من 30 عضوا في الائتلاف في الآونة الأخيرة يتمحور حول مايسميه أعضاؤه (أجندة ضمان وطنية للثورة) يتفق عليها أعضاء التحالف ومنهم الصباغ ومجموعته ، ووردت معلومات أن طلبات الانضمام من أعضاء في الائتلاف ترد إليها يوما بعد يوم.
في مواجهة هذا الواقع ، ورغم محاولته لاحتواء الصباغ ، يتحرك الرئيس الجربا باستشارات مجموعته المقربة في كل الاتجاهات من اللقاء بحسن عبد العظيم إلى قبول زيارة موسكو بالإضافة إلى استمراره في (رش) المكافآت كما أصبح معروفا وتداولته كثير من المنابر الاعلامية . بل إن هناك محاولات لاعادة استقطاب الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السابق . والطريف أن العالم الشيعي اللبناني هاني فحص هو جزء بشكل ما من هذه المحاولة التي رفضها الشيخ، كما رفض لقاء مع تلفزيون الميادين طلبت القناة إجراءه . وليس معلوما للآن ماهو الرابط بين هذه القضايا.
لكن الجربا يبدو في حاجة ماسة إلى فعل كل مايستطيع بسبب خسارته أوراق هامة في المرحلة الماضية . فقد أصبحت علاقته باللواء سليم إدريس وبلؤي مقداد في أسوأ درجاتها.
أما علاقته بنائبيه جورج صبرة وسهير أتاسي فليست أيضا في حال جيدة. فالأول لم يتوافق من البداية معه في الغالبية العظمى من القضايا والجفاء بينهما واضح . أما الثانية فقد ضج منها ومن ممارساتها في وحدة تنسيق الدعم كما عبر عن ذلك للكثيرين ، ثم عين أسامة القاضي من أسابيع مديرا تنفيذيا للوحدة لمحاولة تخفيف اللغط والكلام والضجيج الذي أثارته . وقد أصبحت حظوظها في أي منصب قيادي قليلة أصلا بعد نجاحها في تأليب الجميع عليها بتلك الممارسات والتصرفات والقرارات.
كما أن علاقة الجربا مع ميشيل كيلو لم تعد كما كانت على الاطلاق . فهو يشكو في لقاءاته من تكبر كيلو وفوقيته ورغبته في القيادة بشكل فردي مطلق . والواضح أن كيلو كان يأمل شيئا آخر غير الواقع الحالي عندما اكتسح بمجموعته انتخابات الائتلاف الأخيرة وأنه أصيب بخيبة أمل في درجة استجابة الجميع لتوجيهاته والسير وفقها فيما يتعلق بكثير من القضايا . وهو ماجعله ينزوي في الاسابيع الماضية ونقل أعضاء عنه قوله لهم عن الائتلاف في اجتماع قريب سابق "انقعوه واشربو ميته"..
هناك إذا توجهان يزدادان وضوحا داخل الائتلاف وإن كان الناظر من الخارج لايراهما بوضوح . ولكن يبدو أن الانتخابات القادمة ستكون حاسمة في مجال إظهار ماإذا كان تحليلنا صحيحا ، وفي إظهار طبيعة التوجهين.
وإن كنا نأمل ألا يكون الإخراج خلال الاجتماع على شكل مهاترات ، إلا أننا نأمل بالتأكيد أن يغلب التوجه الذي يحقق مصلحة الثورة خالصة . بل ربما يحق لنا أن نأمل ونطلب من الجميع الالتفاف حول هذا التوجه بغض النظر عن صاحبه أيا كان.
*كاتبة سورية فضلت النشر باسم مستعار
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية