مع كل ردود الفعل العربية الغاضبة بسبب التصريحات الإيرانية الفظة حول فارسية البحرين، واصل حسين شريعتي مداري، تأكيده على إيرانية البحرين وإيرانية الجزر الإماراتية الثلاث. وادعى المسؤول الإيراني، أن لدى إيران وثائق تثبت بما لا يدع مجالاً للشك كل ما أورده في تصريحاته السابقة. وقال فيما قاله: إن البحرين كانت لعقود سابقة إحدى محافظات إيران، وأنه تم فصلها من خلال محادثات مع الحكومتين البريطانية والأمريكية وحكومة الشاه رضا بهلوي. وأبدى رجل المخابرات السابق استغرابه كيف ينكر العرب هذه الوقائع المثبتة تاريخياً. ولم ينس شريعتي بالطبع أن يقول بأن العرب لا يملكون أية وثائق تثبت عروبة البحرين ولا عروبة الجزر الإماراتية ولا عروبة الأحواز.
ونحن نسأل بدورنا المسؤول الإيراني، فيما إذا كان بإمكانه أن ينكر أن دولة البحرين كانت محتلة من قبل البرتغاليين حتى العام 1602 ميلادي، وأن الشاه عباس الأول هو الذي ضمها إلى سلطانه. وإذا كان بإمكانه أن ينكر أنه جيش فارس لما احتل البحرين وجد شعبها يتكلم اللغة العربية ويدين بالإسلام.
ويقول الرجل بين ثنايا مقاله، إن عمر أكثر دولة خليجية لا يتجاوز مائة العام. وهذا إن دل فإنما يدل على أن السيد شريعتي لا يميز تاريخ الدولة بشكل عام عن تاريخ نشوء الدولة الحديثة، فالدولة البحرينية الحديثة لم تبلغ من العمر مائة عام بالفعل ولكن وجود البحرين وتاريخها العريق المشرف يعود إلى خمسة آلاف عام حيث كانت مركز حضارة "دلمون" ذات القوة والمنعة. ولا أدري إذا كان الفرس قد رأوا عندما دخلوا البحرين مساجدها التي أسست في عهد عمر بن عبد العزيز، الأمير الأموي رضي الله عنه وأرضاه.
أم إن فارس اليوم تطالب بضم البحرين لأنها احتلتها يوماً من الأيام، وحتى هذا الطلب على سخافته، لا يصح من باب آخر، فإذا جاز لإيران أن تطالب بضم هذه الجزيرة، فقد جاز للبرتغال أن تطالب بها أيضاً فقد احتلتها قبل الفرس بثمانين عاماً. وعليه فعلى العراق والسعودية أن يطالبا بإيران كلها، فالمثنى الشيباني وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فتحا فارس كلها ووصل الأخير إلى المدائن!!. فبدل أن تقدم الحكومة الإيرانية اعتذراً للبحرين وشعبها عن ماضيها الاستعماري البغيض في تلك الجزيرة تعود لتطالب فيها كأنها قطعة أرض من أملاكها!!.
أعود إلى مقال شريعتي المنشور هذا اليوم في "كيهان" والذي قال فيه، إن مطالبة الإمارات بالجزر الثلاث طلب أحمق ولا يملك أي مستند قانوني، وأن دول مجلس التعاون الخليجي تصرخ بشكل فوضوي لأنها تخاف من فتح هذا الملف بشكل جدي وقانوني.
ونحن نسأل، من الذي طالب ويطالب في كل محفل واجتماع بمناقشة هذا الموضوع أمام مجلس الأمن أو بشكل ثنائي أليس هي الإمارات، أو ليست هي دول مجلس التعاون الخليجي؟. ولكي نذكر السيد شريعتي فإنه في الثالث من كانون الثاني عام 1971م، قامت العراق و ليبيا و الجزائر و اليمن الجنوبية بتقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي لبحث موضوع احتلال إيران للجزر العربية و تم عقد المجلس بالفعل لمناقشة الموقف حيث أعلن مندوب الإمارات العربية المتحدة الذي حضر الجلسة احتجاج بلاده إزاء الاحتلال الإيراني للجزر. وبعد نقاشات دامت عدة ساعات رفعت الجلسة على أن يعقد المجلس في وقت لاحق، ولأن مجلس الأمن لا ينصف ولن ينصف العرب يوماً لم تعقد الجلسة مرة أخرى.
و في 5/10/1972م تقدمت الإمارات أيضاً برسالة إلى رئيس مجلس الأمن تؤكد فيها عروبة الجزر، كما تؤكد الإمارات ذلك في كل مناسبة.
نريد من السيد شريعتي، بما أنه يتكلم عن الوثائق، ويدعي ما ليس له، أن يفسر لنا تصريحات الخميني عندما سئل عمّا إذا كان سيعيد الجزر الإماراتية إلى أصحابها الشرعيين فأجاب: إن الثورة قامت لتنصر الحق وتسحق الباطل ولترفع المظالم التي ارتكبها الشاه. وليفسر لنا بعبقريته الفذة، تصريحات آية الله خلخالي رئيس المحاكم الثورية سنة 1979 عندما قال إن الخليج ليس فارسياً ولا عربياً بل هو الخليج الإسلامي!!. ونريد أن نعرف رأيكم بقول وسائل الإعلام الإيرانية مع مطلع ثورة الخميني، بأن أممية الإسلام تتغلب على القومية العدوانية، وعليه فإن الجزر الثلاث ملك للأممية الإسلامية وبما أن الأممية الإسلامية أكبر من القومية فلا يمكن لإيران أن تتخلى عن الجزر!! هل رأيت يا سيد شريعتي تصريحاً أشد حمقاً من هذا التصريح، فلقد ذهبت الجزر الإماراتية في مهب الريح وأصبحت إيرانية بفضل الإسلام!! فكيف لنا أن نعقل هذا ونفهمه؟.
لم أنته بعد، فقد صرح رئيس الجمهورية الإيرانية الأسبق، أبو الحسن بني صدر، عام 1980 في مقابلة مع صحفية، أن إيران لن تعيد الجزر إلى الإمارات مادامت أمريكا تعزز وجودها في الخليج!! بلغة أخرى : نحن نعلم أن هذه الجزر عربية ولكننا لا نعيدها في تحد لأمريكا، وهذا ما كرره الرئيس ووزير خارجيته ، عندما قالا إننا نخشى أن نعيد هذه الجزر إلى الإمارات، فتزرعها أمريكا بالقواعد العسكرية، وبلغة أخرى أيضاً، فإيران تحتل الجزر في سبيل الله وإحياء لسنت رسوله بمحاربة الكفار. وإنني أعتقد، أن أمريكا باقية في الخليج لتبقى إيران في الجزر، وأن إيران باقية في الجزر لتبقى أمريكا في الخليج، فالاستعمار يرضع حليباً واحداً من بقرة واحدة!!.
وما رأي شريعتي بالرسالة التي أرسلها الشاه إلى الحكومة البريطانية في الثلاثينيات من القرن المنصرم، طالباً فيها استئجار جزيرة "طنب" فردت الحكومة البريطانية، بأنها لا تلمك الحق بذلك لأن سلطان بن سالم القاسمي هو مالك الجزيرة، وهو من حكام رأس الخيمة. كما ورد في الوثيقة البريطانية لعام 1928 والصادرة عن وزارة الخارجية هذه الجملة: تعود ملكية الجزيرتين "طنب الكبرى والصغرى" لرأس الخيمة، بينما تعود ملكية جزيرة "أبو موسى" إلى إمارة الشارقة.
لا نعرف إذا كان السيد شريعتي قد نسي أنه في 30 من تشرين الثاني سنة 1971 قامت القوات الإيرانية بغزو عسكري غاشم على الجزر الثلاث. وأنها أجبرت السكان على الخروج منها بالقوة وأطلقت عليهم النار وأجبرتهم على مغادرة الجزر باتجاه رأس الخيمة، فإذا كانت تلك الجزر إيرانية فكيف وجدتم العرب فيها، أم أن إمارة رأس الخيمة كانت تحتل تلك الجزر وتبني فيها المستعمرات ثم جاء الجيش الإيراني الباسل فحررها من المحتل الإماراتي!!.
مرة أخرى نعود إلى تصريح صحيفة كيهان وبطلها شريعتي، الذي سخر من ترديد فكرة أن الأحواز عربية! فهل يشرح لنا السيد عالم عصره، كيف تقع الأحواز بعد سلسلة جبال زاغاروس. هل تناسى صاحبنا أن الأحواز العربية هي مركز العيلاميين الذين ينتسبون إلى ابن سام بن نوح عليه السلام، وأن الحضارة العيلامية تتشابك مع حضارة الكلدانيين والآشوريين والسومريين وغيرها من الحضارات القديمة.
ولا أعلم إذا كان رجل المخابرات السابق قد نسي الدولة العربية المشعشعية على يد محمد بن فلاح المشعشعي من آل البيت. وإمارة كعب وإمارة القواسم، والمنصور، وآل علي، والمرازيق وبنو حماد وكلهم عرب أقحاح لا يرتاب في ذلك الفهيم المعرفة.
ولا أدري كيف غاب عن ذهن شريعتي كيف أن بريطانيا التي مهدت للصهاينة احتلال فلسطين عام 1948 هي نفسها التي مهدت لآبائه احتلا ل الأحواز عام 1925.
لقد أخطأت دول الخليج كلها، يا شريعتي، لما تركت صدام حسين وحده في الميدان، حتى استطاعت قوة الإرهاب الأمريكي، احتلال العراق وإعدام أسده الهصور. ذلك هو اليوم الأسود الذي جعلكم، تصولون وتجولون في المنطقة بعد أن كنتم تخافون وأنتم داخل حدودكم. ولهذا السبب رحبتم باستشهاد صدام حسين، في يوم عيد الأضحى، وما رحب بذلك إلا أنتم والصهاينة وبعض أذيالكم. فقد كان صدام الشوكة في حلوقكم وحلوقهم.
رحم الله صداماً يا شريعتي، وسامح الله دول الخليج، بل والأمة العربية والإسلامية كلها. فلو كان صدام لا يزال يزأر، لنشف الحبر في قلمك، ولتجمد الدم في عروقك، قبل أن تكتب ما كتبت. ولعرفت حدودك جيداً، وانشغلت في التخلص من كوابيسك قبل أن تتجرأ عن الحديث عن ضم دولة عربية، ولكنني أحب أن أبشرك أن العراق عائد كما كان وستذل أمريكا فيه، وستخرج منه صاغرة مهانة، وعندها أسمعنا صوتك إن بقي عندك صوت.
لو كان صدام يزأر يا "شريعتي" ما سمعنا صوتك... د . عوض السليمان
* دكتوراه في الإعلام – فرنسا
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية