أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حديث الثورة "ظهور الأمراء"

أول مرة سمعت فيها كلمة «أمير» كانت في أوائل سنة 2012. الصديق الثائر (ب. ع) الذي أسمعني إياها لَفَظَهَا أمامي على استحياء وكأنه يتحدث بشيء مخجل.

السبب أننا، نحن، طلائع الثوار السوريين الأوائل، كنا متفقين، جميعاً، على إسقاط النظام الديكتاتوري الاستيطاني الذي أسسه وصنعه ورسخه حافظُ الأسد، وإقامة دولة مدنية مكانه، بينما كلمة «أمير» توحي بأننا قادمون على حكم فردي استبدادي لا يعني- بحال من الأحوال- استبدال مستبد بمستبد «مثله» وإنما استبدال المستبد بمستبد «أسوأ» منه!

كنا نبحث عن قريبي «فراس» الذي «جَوَّلَتْهُ» جهة ثورية مجهولة، وفي ذات يوم جمعة، والطقس مشمس بديع، كانت ألوف مألفة من أهل مدينة إدلب تتظاهر عند جامع «سعد بن أبي وقاص»، وتهتف للحرية وإسقاط النظام، وإذا بالصديق (ب. ع) يقترب مني ويقول لي:
ترى أنا ماني نسيان قريبك فراس.. والله عم إسأل عنه في كل مكان.

وكما لو أنه تذكر أمراً مهما، قال لي:
تعال نبتعد قليلاً عن الحشد، حتى نستطيع أن نجري مكالمة مهمة، ونسمع الكلام بشكل واضح.

ابتعدنا إلى شارع قريب. فتح (ب. ع) موبايله وأجرى اتصالاً مع شخص يعرفه، واستأنف معه حديثاً سابقاً بخصوص قريبي فراس.. ثم سمعته يقول له:
طيب. بحكي معه. اعطني ياه..

وبعد أن تحدث بعدة جمل قصيرة، أغلق الخط. وقال لي:
حكيت مع «أميرهم» شخصياً، وأكد لي أن ابن عمك ليس عندهم، ووعدني أن يأتيني بخبره في المساء.

تلقيت الصفعة الناجمة عن سماع كلمة «أمير» بأعصاب باردة، كعادتنا نحن السوريين في تلقي الصفعات، ولكنني بدأتُ أفكر فيها على نحو جدي، واستشعرتُ منها خطراً حقيقياً.. وفي المساء ذهبتُ إلى صديقي (م. ع)، وحكيت له ما سمعت من صديقنا (ب. ع)، فقال لي، بلغة العارف:
أي.. هدول جماعة «الرايات السود»!..

وبدأ يحكي بتدفق، مقللاً من شأنهم، ومن خطرهم، وروى لي حادثة جرت قبل أيام في أحد جوامع مدينة إدلب، تتلخص في أن بضعة شبان من جماعة «الرايات السود»، حاولوا أن يمنعوا خطيب الجامع من إتمام خطبته، ويستبدلوه بخطيب من عندهم، على أساس أن الخطيب الحالي لا يجوز سماع وعظه، ولا تجوز الصلاة وراءه، لأنه يجهل أشياء كثيرة من أمور الدين!.. ولكن المصلين المتواجدين في الجامع، وقتئذ، وقفوا ضدهم، وزجروهم وأخرجوهم من الجامع.

وانتهى (م. ع) بحديثه إلى أن الثورة ما تزال بخير، لأنها مدنية تطمح للانتقال إلى مجتمع ديمقراطي، ومع انتصارها سيُلقي الجميع أسلحتهم، ولن يبقى شيء اسمه «تَجْويل»، أو «أمراء»، ولن يبقى من «الرايات» غير راية سوريا الحرة..

بالفعل، استمرت الثورة على هذا النحو المدني مدة ليست بالقصيرة، ولكن وقوع كلمتي «أمير»، و«أمراء» على أسماعنا لم يعد نادراً، فنحن سكان المدينة كنا نسمع بوجودها في الأرياف على الأقل، والثوار الذين كانوا يأتون من الأرياف أكدوا لنا أن بعض الجماعات الإسلامية تعتمد فكرة «التأمير» في كل شاردة وواردة، فعدا عن أمير الجماعة ثمة «أمير مجموعة الاقتحام»، و«أمير الحاجز»، إلى آخره..

وقد تبين لنا أن أحد هؤلاء «الأمراء» هو الذي أمر بقتل قريبي فراس، بذريعة أنه متعامل مع المخابرات، وقتلوا، بعد مدة قصيرة، مجنداً من قرية «كفتين» الدرزية، بدعوى أنه موال للنظام رافض لفكرة الانشقاق، رغم أننا بذلنا المستحيل من أجل إعادته إلى أهله على الأقل دون السماح له بالالتحاق بقطعته العسكرية، وكذلك أعدموا رجل دين شيعياً من «كفريا».

الفكرة التي كنت- أنا محسوب الطيبين- أدافع عنها هي التالية:
إن النظام ذا التركيبة الطائفية، والعقلية الطائفية، بمجرد ما اشتعلت الثورة، وجه أصابع الاتهام إلى الطائفة السنية، زاعماً ومحذِّراً من أن أهل السنة يريدون أن يقيموا دولة سلفية تزدري المسيحيين والأقليات الإسلامية الأخرى، وتمنعهم من التمتع بحقوق المواطَنة.. لذلك يجدر بنا نحن الثوار الذين نعرف أوراق النظام (وكاشفينه على حقيقته) أن نعامل الأقليات معاملة خاصة، بل يجب أن نجعلهم (مُدَلَّلين) لدينا، فلا نلومهم إذا ظلوا صامتين، ولا (نجَوِّلهم)، ولا نعتدي على حرياتهم وأملاكهم.. إن ثورتنا عظيمة، ورائعة.. فلندعهم-على الأقل- يروا ثورتنا على حقيقتها..

ولكن.. في الحقيقة.. «الأمراء».. أمراء الحرب.. أمراء الطوائف، كان لهم رأي آخر..
بقية السالفة أنتم، أعزائي القراء، تعرفونها..
ولكن هذا- في تصوري- شيء زائل..
والأيام بيننا.

من كتاب "زمان الوصل"
(125)    هل أعجبتك المقالة (125)

نيزك سماوي

2013-12-29

ما كانت لتظهر هذه الظاهرة إن لم تخطط لها العصابة النصيرية الخائنة المجرمة التي أردات منذ البداية حرف ثورة الشعب السوري وشيطنتها بكل الوسائل الخبيثة ، عصابة مافوية عمرها أكثر من خمس عقود ولها خبرة كبيرة في الخبث والخداع والفبركة والكذب والعمالة والخيانة.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي