أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"الغزال بعين مرتو قرد"!

من المحتمل أن يكون تاريخ ميلادي اليوم، في العشرين من كانون الأول عام ١٩٤٩. بحثت عن هذا التاريخ في دفاتر دائرة نفوس عين حلاقيم، وهي مركز الناحية التي تتبعها قريتنا، فلم أجد شيئا، قال لي "أبو حبيب" الذي لا أعرف غيره كاتبا منذ ولادتي إن تاريخ اليوم والشهر غير مدونين في دفتر التسجيل الرسمي. سألت أبي قبل حوالى 45 عاما: هل لكاتب النفوس العلوي "أبو حبيب" مصلحة في حذف يوم وشهر مولدي؟ ولماذا أوراق نفوسنا موجودة في "قرية مورانية" لا تحب الروم مثلنا؟ قال أبي، وكان في ذلك الوقت على رأس عمله كشرطي: إن الكاتب "أبو حبيب"، عندما تم تعيينه كاتبا كان هو الأفضل بين من تقدموا لشغل هذه الوظيفة، فهو يملك الشهادة الابتدائية، وهذه شهادة كبيرة بالنسبة لأبناء منطقتنا، وليس له مصلحة في التلاعب بتاريخ ميلادك. أما عن "عين حلاقيم" المورانية، الذي يُقال إن خوري كنيستهم لا يحب الروم، فليس هم من قرر أن تكون نفوس قريتنا عندهم، وإنما هي قيادة المنطقة في مصياف، وهي كما تعرف إسماعيلية، وقد اقترحت على مركز المحافظة، وهي مدينة حماة السنية، خارطة توزيع القرى والنواحي، فوافقت حماة على الاقتراح بعد استمزاج آراء مخاتير تلك القرى، وهكذا أصبحنا إدرايا تابعين لناحية عين حلاقيم.

سألت أبي: متى ولدت أنا، وكيف سأعرف الساعة واليوم والشهر؟
قال: أمك ماتت، الله يرحمها، فالأم عادة هي من يحفظ بدقة هذه التفاصيل، ولكن أرجّح أن يكون تاريخ ميلادك هو ٢٠ كانون الأول، وكنا نتحضر لعيد الميلاد، فقد كانت أمك حريصة على جمع أكبر عدد ممكن من البيض، وكانت مستبشرة خيرا بك، لأنك ابنها الخامس، وستأتي، رغم حبها الكبير للمسيح، قبله إلى العالم.

وهكذا مرت الأيام، وضاع عيد ميلادي بعد أن تم مزجه بعيد ميلاد المسيح، فقد كان لأهلي مصلحة اقتصادية، ألبسوها لبوسا دينيا، في أن يكون عيد ميلادي جزءا من احتفالهم بعيد الميلاد، وشيئا فشيئا تم نسيان يوم ميلادي تماما، وأصبح العيد للسيد المسيح فقط.

في العشرينات من عمري، استعدت تاريخ ميلادي الضائع، بناء على تحقيقات أجرتها معي ومع والدي وجدتي صديقة حمصية، لأكتشف فيما بعد، أنها في مثل هذا اليوم من عام ١٩٧٣، قد حضرت إلى بيتنا حاملة بين يديها قالب كاتو حضرته بنفسها، وزجاجة فاخرة من الكولونيا، سعرها في ذلك الزمن 5 ليرات سورية، واحتفلنا لأول مرة بعيد ميلادي ٢٤ ،كاسرة، بعملها ذلك، تقليدا فلاحيا متوارثا، لا يقيم وزنا لتاريخ ميلاد الناس، ربما بسبب الفقر أو الجهل أو أشياء أخرى لا أعرفها، وأقنعتني صديقيتي ومعها من حضر من أهلي "أن القرد بعين أمه غزال"، كان وسيبقى هكذا، ما دام هو ابنها، بتاريخ أو دون تاريخ، فتاريخه الأكبر هو الأشهر التي أمضاها في رحمها.

لن أتوقف كثيرا عند مناسبات تاريخ ميلادي، ليس عن قناعة بعدم إزعاجكم، وإنما لأنني لا أذكر أشياء مهمة حصلت، ربما كان عيد ميلادي ٢٦ مميزا، فقد احتفلت به في السجن، وعيد ميلادي الثلاثين كان في بيروت، أما بعد عام 1984 فقد أصبح الاحتفال بعيد ميلادي روتينيا، والفضل في ذلك يعود لزوجتي، التي كانت، في سنوات زواجنا العشر الأول، تراني، كما رأتني صديقتي الأولى، "غزالا" حتى لو لم أكن كذلك.

حدث بعد ذلك ما يحدث في كل العائلات، عندما يكبر الأولاد، وتتراجع قدرات الرجل المادية والجسدية، فتجد الزوجة الأصغر عادة في عمرها من الرجل، الفرصة المناسبة لقيادة دفة البيت والهيمنة على كل صغيرة وكبيرة فيه، مستعينة بأولادها ومالها إذا كانت تعمل، كما هو الحال في الغرب، ومنتقمة في الوقت نفسه من الرجل الذي أهملها سنوات، ولم يكن يقيم لرأيها وزنا، فتحاول الانتقام لنفسها من الرجل الذي كان غزالا بعين أمه، كما في عينها خلال سنوات الزواج الاولى، قبل أن يتحول عقب تلك الرحلة إلى قرد في عينها.

ولأنني لا أريد أن أكون قردا بعين زوجتي، ولو لمرة واحدة في العام، وهو يوم عيد ميلادي، فقد قررت الاحتفال بهذه المناسبة بعيدا عن أجواء البيت التقليدية، ودعوتكم إلى حفلة تقام على شرفي، في مقهى مونتريالي، يشبه كثيرا مقهى الحكواتي الشامي أيام زمان، وقبل أن يمنع هذا التقليد حافظ الاسد، حيث يحكي من يشاء من الحضور قصته، وكيف تحول الغزال إلى قرد بعين أمه.
وكل عام وأنتم بخير

(143)    هل أعجبتك المقالة (143)

jamal

2013-12-21

كل عام وأنت بخير.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي