متحف الآثار الإسلامية في حمص.. كنوز غنية ومقتنيات نادرة

في الزاوية الشرقية من مصلى جامع خالد بن الوليد رضي الله عنه يقع متحف الآثار الإسلامية الذي يؤرخ لحقب هامة من التاريخ الإسلامي في هذه المدينة، والغاية من افتتاح هذا المتحف إعطاء فكرة واضحة عن الفترة الإسلامية العربية في حمص وما جاورها وليكمل الزائر العربي والسائح زيارته إلى جامع خالد بن الوليد بزيارة هذا المتحف والاطلاع على مقتنياته النادرة مما وجد فوق الضريح وفي أماكن متعددة من مدينة حمص الغنية بكنوزها الأثرية. 

وعبر قاعات المتحف رُتبت أنواع عديدة من الأواني الفخارية التي تعود إلى العهد المملوكي والأموي ومن بينها آنية نُقش عليها اسم السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، كما يضم المتحف مخطوطات في العلوم العربية في الطب وعلوم النحو والصرف والتاريخ بالإضافة إلى العلوم الدينية الأخرى، ومن ضمن محتويات المتحف مصاحف يعود تاريخ بعضها إلى أكثرمن 300 عام، ومن التحف المعروضة بعض الأدوات الفضية القديمة مما وجد على ضريح البطل الصحابي خالد بن الوليد كالمحبرة الفضية التي كانت تُثبت في زنار المتعلمين في ذلك الزمان كما أن من بينها بعض القلائد والعقود الفضية التي تعود إلى أزمنة إسلامية مختلفة، وفي المتحف أيضاً بعض النقود الإسلامية البرونزية القديمة وبعض النقود الورقية، ويضم المتحف كذلك عدداً من التحف المعدنية ومنها مجموعة من الأسلحة القديمة كالسيوف التي كان يستخدمها البطل الإسلامي خالد بن الوليد وإن كنا نظن أن هذه السيوف هي نسخ مقلدة للسيوف الأصلية الموجودة في متحف استنبول الإسلامي، ويشغل جزء من المتحف أدوات الاستعمال اليومية مثل الطاسات والأوعية القديمة، ونظراً لأن الفخاريات كانت تمثل أهم مرتكزات العمل الصناعي فقد ضم المتحف الأدوات المنزلية والسُرج الضوئية وجِرار حفظ الماء والمؤن الغذائية تقابلها بعض النماذج التي تدل على تطور الصناعة الخشبية كالملاعق وبراميل حفظ السوائل من زيوت وغيرها وقوالب الطباعة الخشبية على القماش والأختام الخشبية إضافة إلى أختام الولاة العثمانيين والطابعات الخشبية التي كانت تُستخدم في الطبع على القماش بعد تطريزه، فالتطريز كان مركَّزاً على الشراشف وأغطية السرير والمناشف والوسائد التي كانت تحملها الفتاة إلى منزلها الجديد، إلى جانب الملابس الفاخرة المطرزة بخيوط الذهب والفضة، وكانت الرسومات تأخذ موضوعها الرئيسي من الزهور كالتوليب والورود والمكحلة والقرنفل، وهناك بعض القطع المعروضة التي تدل على تطور صناعة الخزف في بلاد الشام كالفخار المطلي بالمينا من إنتاج (شرف الأبواني) وهذا النوع يمتاز بـ "الرنوك" والشارات التي كانت تُصنع للأمراء في العصر المملوكي مثل "رنك البقجة" التي كانت تُمنح لـ "الجوخدار".

أي المشرف على الملابس في القصر السلطاني و"رنك العصا البولو" الذي يُمنح لـ "الجوخدار "المشرف على لعبة البولو و"رنك الكأس" الذي كان يُمنح لساقي السلطان ويضم المتحف بعض الأقفال والموازين وأواني الاستحمام التي كانت تمثل فلكلورياً شعبياً خاصاً للذهاب إلى حمام السوق، كما يضم المتحف أساور وخلاخيل فضية كانت تتزيّن بها النساء وأخرى خاصة بالأطفال.



وفي زوايا أخرى من المتحف نرى نماذج مختلفة من النقود التي اُستخدمت في عصور مختلفة والتي ضُرب بعضها من معدن البرونز الذي لعب دوراً هاماً في التداول وخاصة وقت الأزمات عندما تطرد العملة الرديئة العملة الجيدة من الأسواق، بالإضافة إلى الأوراق النقدية التي تعود إلى أواخر الحكم العثماني وزمن الاحتلال الفرنسي وفي العهد الوطني لسوريا.

سنجق خميس المشايخ:
في ركن متميز من المتحف نرى سنجقاً أحمر يرمز إلى جامع خالد بن الوليد ويعود صنعه إلى أوائل القرن العشرين وهو عبارة عن قطعة كبيرة من القماش ذات أطراف أربعة مكتوب في كل زاوية منها اسم أحد الخلفاء الراشدين: أبو بكر الصديق –عمر بن الخطاب –عثمان بن أبي عفان –علي بن أبي طالب، وهو مثبت من وسطه بعمود من الخشب ينتهي برأس فضي وكان هذا السنجق يُحمل أمام بقية السناجق التي يُسار بها في العيد الفلكلوري –خميس المشايخ– الذي امتازت به حمص دون غيرها من مدن بلاد الشام بدءاً من النصف الأخير من القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن الماضي. 

كما نشاهد في المتحف بعض الأدوات التي كانت تصاحب الأناشيد في ذلك العيد مثل الصنوج والمزاهر والدفوف ورموز بعض السناجق ويحتفظ المتحف بالمنبر الخشبي الذي كان موجوداً في جامع خالد بن الوليد قبل عام 1912 ويعود تاريخ صنعه إلى 1179 هجري وقد نقش رسومه الهندسية فنان حمصي قبل 200 سنة.

وهناك أيضاً فرمانات عثمانية صدرت عن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني والسلطان رشاد وجاء في بعضها صك تعيين الموظفين والقيّمين على الشعائر الدينية لجامع خالد بن الوليد بالحرف العربي وباللغة التركية قبل اعتماد الأتراك على الحرف اللاتيني في كتاباتهم الحديثة. إضافة إلى بعض نماذج الطغراء التي اشتهر بها بنو عثمان.



قوس سعد بن أبي وقاص:
في منتصف بهو المتحف يرى الزائر صندوقاً زجاجياً مستطيلاً يضم قوساً يُنسب إلى الصحابي سعد بن أبي وقاص. ويُعتبر هذا القوس نموذجاً فريداً من نوعه في القطر بشكله الجميل المتناسق والمدعم من جهته الظاهرية بنوع من العظام يُرجَّح أنه من عظام الإبل، كما أنه مدعم من باطنه بجلد من جلود الوعل، وفي وسطه بروز لمسك هذا القوس وحفظ توازنه مما لا يوجد في بقية الأقواس الأخرى، ويُعتقد أن نوع خشبه (الخيزران) غير موجود إلا في منطقة ينبع في الجزيرة العربية. 

وفي عام 1974 عندما بدأت أعمال التجديد والترميم لجامع خالد بن الوليد وجدت العديد من اللوحات المكتوبة بالخط العربي بالإضافة إلى مخطوطات أدبية وفقهية وطبية وفلسفية ورسائل في الحكمة والمعرفة ومصاحف يعود تاريخها إلى أكثر من ثلاثمائة سنة خلت كُتبت بخط اليد ومصاحف أخرى حل ماء الذهب مكان الحبر العادي في كتابتها بالإضافة إلى بعض المطبوعات الحديثة ونماذج الأعلام القديمة التي كانت تمثل الرايات العربية، وصور موثقة عن بعض الأماكن الأثرية التي وللأسف لم تعد موجودة رغم أنها كانت تمثل في فن عمارتها وزخارفها آية بديعة من آيات الجمال والفن المعماري العربي الأيل المتمثل في الاهتمام بزخرفة البيوت والتشكيلات الهندسية والمناظر الطبيعية التي لم يبق منها سوى صور أخذها بعض المصورين الهواة قبل هدمها ومنها قصر عبد الحميد باشا الدروبي وبعض السيباطات الحمصية ذات الحجارة السوداء التي تشتهر بها مباني حمص القديمة بالإضافة إلى الجدران الحجرية والسقوف القرميدية المائلة والغرف الواسعة، والنوافذ الكبيرة التي تستقبل ضوء الشمس ونسمات هواء الصباح الندية المحملة بعبق رائحة الياسمين والأكاسيا والزنابق البيضاء والحمراء.

خالد عواد الأحمد - زمان الوصل
(200)    هل أعجبتك المقالة (228)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي