طرائف بعثية سورية
في مطلع سنة 2010 ذهب الأستاذان عمر الدقاق وإياد جميل محفوظ لزيارة المربي الفاضل الدكتور فاخر عاقل في دار السعادة للمسنين بحلب، حيث كان يُمضي أيامه الأخيرة وهو في العام الثاني والتسعين من عمره.
تقصدتُ أن أحدد عمر الدكتور فاخر- وقت الزيارة- لأقول إنه مولود قبل زمان حزب البعث! وهذه، بحد ذاتها، طرفة، فثمة بدهية سورية تقول إن كل سوري عمره دون الستين سنة، لم يَعرف سوى حزب البعث في السلطة! وكل سوري عمره حول الخامسة والأربعين ولد تحت حكم الإرهابي حافظ الأسد! وكل ولد سوري عمره دون ثلاثة عشر عاماً ولد تحت حكم الإرهابي الصغير بشار الأسد!
في تلك الزيارة حكى د. فاخر عاقل لضيفيه قصصاً وحكايات وطرائف كثيرة لها علاقة بالبعثيين، واستبداد حافظ الأسد بالبلاد السورية، ولم يمانع في تدوينها من قبلهما على أمل أن يأتي يوم ويصبح أمر نشرها ممكناً. (وقد أتى هذا اليوم بالفعل)..
منها أن هذا الأستاذ الجليل، ولفيفاً من الأساتذة الجامعيين، ورؤساء الأقسام المختلفة في كلية التربية بجامعة دمشق، كانوا مجتمعين في مكتب «الدكتور مصطفى حداد» وزير التعليم العالي السابق.. إذ أفاد بتصريح يستأهل أن يسجله التاريخ.. فحينما دخل (الآذن) لتقديم الضيافة للمجتمعين هتف قائلاً:
إن هذا المستخدم الملتزم حزبياً هو عندنا أفضل (وأهم) منكم جميعاً!!
انتهج حزبُ البعث، في أوائل الستينيات، سياسة لو فكرت فيها قليلاً لوجدتَها مضحكة، فقد أبعدَ عن المدارس السورية خيرةَ المُدَرِّسين العالمين المتمكنين بحجة أنهم (رجعيون) يسممون عقول أبناء جيل الثورة بأفكارهم الهدامة، وأبعدَ، كذلك، الصناعيين الكبار عن إدارات المعامل ووضع مكانهم معلمي المدارس الابتدائية، وحَمَلَةَ الإعدادية العامة.. فكان أن خرب هؤلاء التعليم، وخربوا الصناعة، مثلما خرب العسكرُ والمخابرات المجتمع السوري برمته.
لنبقَ في سيرة الفراشين (الأذَنة) الذين يقومون، في الحقيقة، بعمل شريف، وهو الحفاظ على نظافة الأماكن العامة، وبواجب الضيافة الذي يعتبره العربُ عملاً نبيلاً، ناهيك عن أنهم، من خلال هذه العمل، يُطعمون أبناءهم لقمة من عرق الجبين.
ولكن الرفاق البعثيين، خلال حكمهم المديد، جعلوا من عنصر الفراش (الآذن) مادة للتنكيت والتندر. بدليل الحادثة الآتية:
ثمة رفيق تولى رئاسة منظمة شعبية في السبعينيات، وبقي على رأس عمله حتى تاريخ وفاته، قبل سنوات قليلة من الآن.
ذات مرة، كان في ضيافة هذا الرفيق رجلٌ تربطه به علاقة عائلية حميمة، ومن حديث لحديث سأله الضيف عن سر (تطنيش) القيادة الحكيمة عنه، وتركه في مكانه طيلة هذه السنين.. في حين نسمع كل يوم أن المسؤول فلاناً (شالوه) وعلاناً (أقالوه) و(زيداً) أحالوه على محكمة الأمن الاقتصادي، و(عَمْراً) دكوه في السجن بعدما لفقوا له تهمة لا ينبت فوقها حشيش.. فضحك وقال لضيفه:
المنصب، يا صديقي، مثل سواقة السيارة: ذوق وفن!
قال الضيف: ممكن تشرح لي أكثر؟
في هذه الأثناء دخل (الآذن) وقدم لهما الشاي وانصرف. فأخفض المسؤول صوته وقال للضيف:
المدير الذي يمتلك قناعة راسخة بأن القيادة، متى شاءت، (تشيلُه) وتُعَيِّن الآذن الذي يقدم الشاي له ولضيوفه مكانه، يعرف كيف يحافظ على منصبه، ولا يمكن أن يقترب منه أحد!
الرفاق البعثيون، طوال عمرهم (وقد انتهى عمرهم الآن، وذهبوا إلى غير رجعة) يتباهون بالكدح.. على أساس أنهم حزب العمال والفلاحين والحرفيين وصغار الكسبة الذين يلخصونهم بكلمة (الكادحين)..
الطرفة التالية تثبت ذلك:
عُين أحد الأشخاص- وهو رجل فقير جداً من قرية (لام) الجبلية- مديراً لإحدى الشركات الإنتاجية السورية، وبقي على رأس عمله زمناً طويلاً (بسبب يقينه بأن القيادة قادرة على تعيين الآذن مكانه،.. كما أسلف المرحوم الذي حدثتكم عنه!).. وفي لحظة ما، تضاربَ وجودهُ على رأس عمله مع وجود رفيق صاعد مدعوم من جهات أمنية كثيرة.. فأقالوه، أو، بالأصح (شالوه)!.. وطلبوا منه أن يذهب إلى البيت ويتفرغ لحب الوطن.
أحد أصدقائه، وقد زاره في البيت بقصد أن يعزيه بـ (الشيل)، قال له:
والله العظيم أنا مستغرب من رفاقنا في الحزب لأنهم شالوك. ما شاء الله عليك، أنت قبلما تستلم هالوظيفة كنت فقير شحاد ما معك حق سندويشة فلافل. مو بس أنت، معظم أفراد عيلتك، الله يحرسهم، عمال قَمّيل (موقد) الحَمَّام، وأكتر من أربعة خمسة منهم أذنة في المدارس.. من دون يمين ابن عمك (فلان) ضربة مكنسته غير شكل.. حتى، لا تواخذني، أخت حضرتك كانت تبيع محارم ورقية عند باب الجامع، و..
كان الضيف يتحدث باسترسال، ولكن، على ما يبدو، التبس الأمر على المدير المُقَال من منصبه، وتساءل مع نفسه: (يا ترى ماذا يفعل هذا الرجل، يمدحني أو يوبخني)؟!
وفجأة قال له: عفواً.. ممكن تسكت؟
قال الضيف: ليش؟ كنت أحكي غلط؟
قال المدير المقال: أخي كلامك صح.. ومع هيك يا ريت تسكت.. والأفضل انك تخرس!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية