أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أبعاد ومضامين اقتصادية لجولة الرئيس الإماراتي

تأتي الجولة التي بدأها اليوم الأحد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تشمل كل من سوريا والجزائر وفرنسا في إطار التحركات الخارجية النشطة التي تنتهجها دولة الإمارات، بهدف تعزيز الشراكات الاقتصادية الخارجية وتطويرها في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
وإذا كانت هذه الجولة تهدف للتوسع في علاقات الشراكة الثنائية، خاصة في مجالات التجارة والاستثمار، بما يتناسب مع الطفرة الاقتصادية الكبرى التي تشهدها دولة الإمارات حاليا، فإن لها اعتبارات خاصة، لا سيما حين الأخذ في الاعتبار فرص التكامل الاقتصادي المتاحة بين الإمارات وتلك الدول، وطبيعة التركيبة الاقتصادية لها، التي تعد مكملة للاقتصاد الإماراتي وليست منافسة له، الأمر الذي سيتيح الفرصة لخلق عدد كبير من فرص التبادل التجاري والاستثماري.

في المحطة الأولى لجولة الشيخ خليفة، على الصعيد الاقتصادي، تعد سوريا من أقدم وأكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، وأكبر الموردين العرب للمنتجات الزراعية والمصنوعات النسيجية والمطاط واللدائن والصناعات الغذائية عموما. ولعل قراءة تاريخ العلاقات التجارية، واستعراض الإحصاءات والاتفاقيات الموقعة في هذا المجال، يعطي صورة شاملة عن طبيعة وحجم العلاقات الاقتصادية.
فقد ارتبطت سوريا والإمارات بعلاقة اقتصادية على المستويات كافة، ووقع معها العديد من الاتفاقيات الثنائية التي تنظم طبيعتها. أما عن حجم التبادل التجاري، فإنه لا يزال دون تحقيق طموحات القائمين على تلك السياسة، رغم أن قيمة التبادل التجاري بين الدولتين تضاعفت خلال السنوات الست الماضية، حيث ارتفعت من 424 مليون درهم عام 2001 لتصل إلى 921 مليون درهم العام الماضي، منها 318 مليون درهم واردات الإمارات من سوريا، ونحو 633 مليون درهم قيمة مجموع الصادرات وإعادة التصدير من الإمارات إلى سوريا.

إلا أن الجانب الأبرز في العلاقات الثنائية يتمثل في الاستثمارات الخارجية، خاصة من جانب الإمارات، والتي شهدت قفزات كبيرة، خلال السنتين الماضيتين. وباتت الاستثمارات الإماراتية تحتل المرتبة الأولى بين الاستثمارات الأجنبية في سوريا، بعد أن بدأت الشركات الإماراتية تتجه بقوة للاستثمار في مختلف المجالات والقطاعات في سوريا، خاصة القطاع السياحي والعقاري والخدمي والصناعي، حيث استقطبت هذه القطاعات، خلال الفترة منذ مطلع العام الماضي، استثمارات إماراتية تجاوزت قيمتها 1.5 مليار دولار.

وما يفتح آفاقا جديدة للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتوفير الضمانات اللازمة للاستثمارات الإماراتية هناك، بدأت سوريا، مؤخرا، تنفيذ حزمة متكاملة من الإصلاحات الاقتصادية. حيث أجازت الحكومة في العام الماضي قوانين جديدة تهدف إلى خفض الضرائب على الشركات، وتبسيط نظام سعر الصرف ووضع إطار قانوني لسوق الأوراق المالية. وتعد هذه الإجراءات جزءا من الجهود المستمرة للتحول إلى اقتصاد قائم على السوق.

وفي أوائل هذا العام، أصدرت الحكومة قانونين جديدين بغرض تشجيع الاستثمار الأجنبي، يهدف القانون الأول إلى المساواة في جميع التسهيلات بين المستثمر السوري والمستثمر الأجنبي، كما يسمح هذا القانون للمستثمرين بتملك الأراضي أو العقارات أو تأجيرها، وإقامة المشاريع في سوريا، كما منح القانون المستثمرين إعفاء من الضرائب. أما القانون الثاني فيقضي بتخيل لإنشاء "الهيئة السورية للاستثمار" بغية تطبيق سياسات الاستثمار الوطنية وإدخال نظام النافذة الواحدة لتجاوز بعض الإجراءات البيروقراطية التي ووجهت من قبل المستثمرين المحتملين.

وفي المحطة الثانية للجولة، والتي تشمل الجزائر، فإن دولة الإمارات ترتبط بعلاقات متميزة معها تعززت ركائزها بفضل تبادل الزيارات الرسمية بين البلدين والتي بلغ عددها في السنوات الأربع الأخيرة نحو60 زيارة متبادلة من بينها 40 زيارة لوفود من الجزائر لدولة الإمارات بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي بين البلدين.
وفي إطار دعم وتطوير هذه العلاقات، شهد الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، انعقاد الملتقى الاستثماري الإماراتي-الجزائري المشترك لرجال الأعمال والمستثمرين في البلدين، والذي جاء بعد أيام قليلة على انعقاد اللجنة المشتركة بين دولة الإمارات والجزائر في العاصمة أبو ظبي، وصدور قرارات مهمة عن هذا الاجتماع تؤسس لعلاقات اقتصادية وتجارية واستثمارية بين البلدين أكثر تقدما، حيث توصلت اللجنة المشتركة إلى توقيع 6 اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين في مجالات العمل والعلاقات المهنية والسياحية والتعليم العالي والبحث العلمي وتحلية المياه.
وشهدت حركة التبادل التجاري بين البلدين نموا مطردا، خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد الزيارات المتبادلة بينهما حيث ارتفع حجم التبادل التجاري من37 مليون درهم في عام 1999 إلى 734 مليون درهم في عام 2004 ، ثم إلى أكثر من 1.5 مليار درهم العام الماضي، في حين بلغت حجم الاستثمارات الإماراتية بالجزائر أكثر من 40 مليار درهم، بينما طرحت الحكومة الجزائرية على قائمة الخصخصة العديد من المؤسسات والشركات، التي تمثل محط اهتمام العديد من الشركات الإماراتية خلال المرحلة المقبلة.

وتشير تقارير جزائرية إلى أن شركات إماراتية تعتزم الدخول إلى الجزائر باستثمارات عقارية وسياحية تتراوح قيمتها ما بين 25 إلى 30 مليار دولار، وهو أضخم رقم ستحققه الاستثمارات الأجنبية والعربية على وجه الخصوص في تاريخ الاقتصاد الجزائري، منذ انفتاح الجزائر على الأسواق الخارجية.

أما المحطة الثالثة والأخيرة في الجولة، فتشمل فرنسا، التي تعد رابع أكبر قوة اقتصادية في العالم، وتحتل المرتبة الثانية عالميا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها، والمرتبة الرابعة من حيث استثماراتها في الدول الأخرى، والرابعة بين أكبر المصدرين والمستوردين، والثالثة بين أكبر مصدري الخدمات، كما تعد فرنسا من أهم الدول في تصدير المنتجات الزراعية-الغذائية، وتحتل مكانة مرموقة في مجال السياحة، حيث يزورها سنويا ما يزيد على 60 مليون سائح من مختلف أرجاء العالم. على الرغم من أن فرنسا تتعامل في تجارتها الخارجية مع الدول الغربية بصورة أساسية، حيث تعتمد في 75% من إجمالي تجارتها الخارجية على دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإن هناك تعاملات تجارية كبيرة بين دولة
الإمارات وفرنسا، حيث تعد دولة الإمارات الشريك التجاري الأول بالنسبة إلى فرنسا في منطقتي الشرق الأوسط والأدنى، كما أن فرنسا تأتي ضمن أكبر عشرة شركاء تجاريين بالنسبة إلى دولة الإمارات، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما، العام الماضي، نحو 5 مليارات يورو، إلا أن العجز لصالح فرنسا في الميزان التجاري يتجاوز 3 مليارات يورو.

وعلى الرغم من أهمية دولة الإمارات كشريك تجاري لفرنسا، فإن الاستثمارات الفرنسية في الإمارات دون المستوى المطلوب، ما يتطلب تشجيع المنشآت الاقتصادية الفرنسة لزيادة استثماراتها في الإمارات مستفيدة في ذلك من الموقع الجغرافي للإمارات وتوافر الطاقة الرخيصة بها وحرية وانفتاح الاقتصاد الإماراتي، خاصة أن فرنسا تأتي في الترتيب الرابع عالميا من حيث تصدير الاستثمارات إلى العالم الخارجي.
كما يمكن لدولة الإمارات الاستفادة من الخبرات الفرنسية في مجال تنمية القطاع السياحي، خاصة وأن فرنسا تعد من الدول الرائدة في هذا المجال الذي تعول عليه دولة الإمارات كثيرا في تنويع اقتصادها.

سبأ
(166)    هل أعجبتك المقالة (171)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي