أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حديث الثورة (أحمد فؤاد نجم)

كلما تشهتْ نفسي شيئاً من (الفن)، أوباشرتُ بحديث عن الفن، أو حاولتُ الكتابة عن الفن، أزجر نفسي، وأقول لها: والثورة؟ هل ننسى الثورة!..
الآن مات أحمد فؤاد نجم (المولود يوم 23 أيار مايو 1929)، وذهب إلى تحت التراب. هذا الرجل الذي يكاد مفهوم "الثورة" العربية يقترن باسمه، أفلا أكتبُ عنه؟.. 
في القاهرة، يوم الثامن عشر من أيلول (سبتمبر) 2011، وبينما كنا نعقد اجتماع الهيئة العامة لرابطة الكتاب السوريين، وهي- برأيي أنا على الأقل- واحدةٌ من أهم إنجازات الثورة السورية (المَدَنية)، وفي إحدى الاستراحات بين اجتماعين، حضر هذا الرجل "أحمد فؤاد نجم" بهيبته، وجلاله، والابتسامة الساخرة التي لازمته طيلة حياته، (وقد قلت في نفسي، ذات مرة، إن ابتسامته ستنزل معه إلى القبر).. ليلتقي بإخوته الكتاب السوريين.
في معرتمصرين، مسقط رأس محسوبكم، إذا أرادوا أن يَصِفُوا رجلاً صغير الجسم يقولون عنه: بـ قَدّ الكَمشة!.. 
حينما شاهدتُ"أحمد فؤاد نجم"، في ذلك اليوم، وجدتُ أنه، حقيقةً، بـ قَدّ الكَمشة، ولكنه رجل كبير، بكل ما تحمل كلمة (كبير) من معان.  
الإنسان الكبير، برأيي، نوعان، واحد يدخل في منطقة شبه خالية من المبدعين، فيكبرُ فيها، ويتألق، وتظهر المنطقةُ نفسُها، وتُعْرَفُ به، مثلما فعل ذلك الرجل (الذي هو الآخر جسمُهُ بـ قَدّ الكَمشة) "محمد عبد الكريم" الذي صار الناسُ يَعرفون ما هو (البُزُق) بفضله، وصار يُعْرَفُ بلقب "أمير البزق"، وكان يلاعب البزق على رؤوس أصابع يديه وقدميه، وأبدعَ، في ميدان التلحين، أعجوبةً ما تزال حتى الآن تتمتع بصفة الأعجوبة، هي أغنية (رقة حسنك وسمارك) التي غنتها نجاح سلام فكانت، أي الأغنية، أعجوبة ضمن سلسلة أغاني نجاح سلام الخفيفة الظريفة نفسها. 
والنوع الثاني من الرجال يدخل في منطقة ملأى بالرجال الكبار، مثلما فعل أحمد فؤاد نجم حينما دخل بين بديع خيري، وبيرم التونسي، وأحمد رامي، وعبد الرحمن الأبنودي، وصلاح جاهين، وسيد حجاب، واستطاع، بخفة، وبسلاسة، وحتى ببساطة، أن يكون كبيراً مثلهم..   
يتقارب أحمد فؤاد نجم مع غيره من الشعراء المصريين الشعبيين الكبار في المقدرة على النَظْم بآلية سهلة تكاد تقترب من (الارتجال)، أو ينطبق عليها الوصفُ الذي أطلقه النقاد القدامى على جرير حينما قالوا إنه (يغرف من البحر)!.. ويزيد عنهم بأنه يستطيع أن ينسج قصيدة طويلة على منوال (الحكاية)،مثلما فعل يوم قرأ خبراً في صحيفة الجمهورية ينص على أن كلب السيدة أم كلثوم عض مواطناً مصرياً، فقال ذلك المواطن: لي الشرف أن يعضني كلب أم كلثوم! فأنشد:
فى الزمالك/ من سنين/ وف حما النيل القديم/ قصرمن عصراليمين/ ملك واحدة من الحريم/ صيتها أكتر م الأدان/ يسمعوه المسلمين/ والتتر والتركمان/والهنود والمنبوذين/ ست فاقت ع الرجال/فى المقاموالاحترام/صيت وشهره وتل مال..
وبأسلوبه الحكائي الشعري السلس يروي أحمد فؤاد نجم تتمة السيرة فنرى أن (اسماعين) الذي عضه الكلب ذهب ليشتكي فإذا الشرطة والنيابة والسجانين كلهم يقفون مع الكلب ضده، فتبلغ سخرية (نجم) أوجَها إذ يقول:
خلصوه بعدالمناهده،جثه من جحر الديابه،هي يمكن ساعه واحده،كان فى مكتب للنيابه،قال له مالك يا اسماعين؟ قال له زي البمب... مالي؟قال له عضك فوكس مين؟قال له سيبني أروح بحالي، انت
شوف سي فوكس يمكن، خد تسمم، غصب عني، الوكيل قال برضه ممكن، والشاويش قاعد يغني: انت فين والكلب فين!
لا يمكن للحالة التهكمية الساخرة أن تفارق أحمد فؤاد نجم، ولو دقيقة واحدة، فحينما جيء به وبرفاقه، ذات يوم، إلى سجن مخصص للشيوعيين، وجه إليه المحقق سؤالاً ساذجاً، إذ قال له: أنت شيوعي؟ فرد عليه بسرعة بديهة: شيوعي، أمال أنا خَوَلْ؟!
وفي سجن طرة أضرب أحمد وصحبُه المعتقلون عن الطعام، وأراد أن يوصل الحالة إلى خارج السجن رغم التكتم، فكتب يقول: 
باسم الإله الشعب- رب المضربين- الصايم- المحروم على مر السنين- يا منشدين الحي- حيوا حينا- واحنا هنا- ع العهد دايما مخلصين- محلا القصايد- في الشدايد.. والغنا- محلا الكلام الحب- أوقات الشقا- احنا اللي تهنا ع الطريق- من بغضنا- متفرقين- والسجن هوا الملتقي!
ثم يصف حال المسجونين على نحو عبقري للغاية فيقول:
آه يا رفاقه- من متاهات الطريق- لما الليالي- بيتخنق فيها القمر- يمشي الصديق- في الضلمه- يخبط في الصديق- والسكه بنت الخطوتين- تاخد سنه!
يتباين الثوار عن بعضهم البعض فيما يتعلق بمواقفهم من الثورة، فمنهم من يعتبرون الثورة شيئاً حلواً، وسهل التناول، مثل السكرة، ويعتبرونها طريقاً   للوصول السريع إلى مال، أو جاه، أو منصب، فإن لم يحصلوا على مرادهم يبدؤون بالتذمر، حتى إن بعضهم يهددوننا بالتوقف عن الثورة والعودة إلى حضن الاستبداد! وبعضهم يبدأ بهجاء الوطن ذاته لأن مصالحه عُطلت، أو عُرقلت.
انظروا ماذا كتب أحمد فؤاد نجم حينما اكتشف أنه ممنوع من السفر:
ممنوع من السفر، ممنوع من الغنا، ممنوع من الكلام، ممنوع من الاشتياق، ممنوع من الاستياء، ممنوع من الابتسام.
ويقول مخاطباً أمه مصر التي يحق له أن يفخر بأنه مَنْ أطلق عليها وصف (مصر يما يا بهية.. يا أم طرحة وكلابية):
وكل يوم في حبك، بتزيد الممنوعات، وكل يوم بَحبك، أكتر من اللي فات!
أحمد فؤاد نجم، مثل محمد عبد الكريم، يستطيع أن يلاعب القصيدة على أصابع يديه، ويُخرج من أي شيء، حتى ولو كان كلمة ملتبسة ككلمة (البتاع) شيئاً جميلاً، مُفْرِحَاً، مُضْحِكَاً:
يلي فتحت البتاع فتحك على مقفولْ
لأني أصل البتاع واصل على موصولْ
فأي شيء في البتاع الناس تشوف على طولْ
والناس تموت في البتاع فيبقى مين مسؤول؟
في ذلك اللقاء معنا، في أيلول 2011، قال أحمد فؤاد نجم إنه يبارك ثورة السوريين، وإنه قد وجه للأسد- في شهر تموز يوليه- رسالة موجزة قال له فيها:إنه لم يكن يعلم أن كلية طب العيون تُنتج ناساً بهذا الكم من الوحشية والإجرام!
رحمك الله يا أحمد فؤاد نجم..

(177)    هل أعجبتك المقالة (155)

نيزك سماوي

2013-12-05

كان لا يعلم المرحوم الشاعر أحمد فؤاد نجم من أين تخرج مجرم سوريا حقيقةً ، الحقيقة أن مجرم وسفاح سوريا تخرج من مدرسة الخارج المجرم السفاح الحاقد العميل الخائن حافض الوسد مدرسة الإجرام والطائفية الحاقدة ، فيها كل كليات الفساد والتخريب والإجرام واللصوية والتآمر والتخابر ، لقد نهل مجرم وسفاح سوريا من كل كليات الأسد الإجرامية ولم يدخل قط كلية طب عيون أو قلب أو ضمير أو إنسانية فلو كان فعلاً هذا المجرم قد دخل حرم أي كلية لما كان مجرم سفاح مرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ومقتلع حناجر السوريون وأعينهم وكاوي أجسادهم في فروع التعذيب المنتشرة لهذا المحتل المجرم في كل محافظات سوريا ، ولكن إقترب الوقت لإقتلاع هذا المجرم ومن معه من مجرمين الى محكمة لاهاي وغن لم تكن لاهاي فسيكون هناك في سوريا مئات المحاكم العادلة التي ستحاكم هؤلاء الخونة المجرمين.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي