أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من ديار الحرب والدمار إلى بلاد اللجوء.. سوريون ضائعون في المتاهة الأوروبية

تحت عنوان "خارج سوريا، داخل المتاهة الأوروبية"، نشرت "نيويورك" تايمز تحقيقا موسعا عن هجرة السوريين نحو أوروبا، عبر ما يعرف بـ"قوارب الموت".

التحقيق الذي تولت "زمان الوصل" ترجمة أهم ما جاء فيه بدأ من رواية قصة أحد قوارب الموت قائلا: على بعد 50 ميلاً قبالة الساحل الجنوبي الشرقي من صقلية الإيطالية، لاح قارب للاجئين كبقعة رمادية، يموج ارتفاعا وانخفاضا مع تماوج زبد البحر المتوسط، وعندما شرعت سفينة خفر السواحل الإيطالية تقترب، بدأ شكل القارب ومن عليه يتضح، فبدا رجل وهو يحمل غطاء أبيض يلوح به.

نساعدهم أم نعتقلهم؟
على غير هدى في خضم البحر، بدا القارب مثقلا بحمل حوالي 150 سورياً فروا من الحرب. وبدت أمهات محجبات يحملن أطفالا رضع.. المهربون تركوا هؤلاء وحدهم مع هاتف يعمل بالأقمار الصناعية ورقم طوارئ في إيطاليا.. "أنقذونا" توسلوا إلى الإيطاليين عبر الهاتف.

بدا اللاجئون السوريون شاحبي الوجوه، بعد أن قضوا في عرض البحر 6 أيام، يشربون مياها ملوثة، ويعيشون تقلبات جوية عاصفة ومخيفة. رجل واحد قام بتمشيط شعره، كما لو أنه مقدم على استقبال حياة جديدة. وامرأة تدعى عبير، تنفست الصعداء بعد حالة من الذهول والإعياء.

تقول عبير وهي على متن قارب الإنقاذ: "لم يبق لي شيء في سوريا"، موضحة أنها هربت مع زوجها و3 أطفال.. "أتينا إلى أوروبا لا نحمل شيئا سوى أنفسنا".

أصبحت الهجرة السورية واحدة من أخطر أزمات اللاجئين في العقود الأخيرة. فر أكثر من مليوني شخص إلى الخارج، وتحديدا الدول المجاورة، ولكن مع حلول الصيف، بدأ اللاجئون يتدفقون على أوروبا أيضا؛ ما فجّر أزمة إنسانية في البحر المتوسط.

وخلال أكثر من 5 أشهر، أنقذ خفر السواحل الإيطالي الآلاف من السوريين، وبالمقابل مات المئات من المهاجرين الآخرين، بما في ذلك عدد من السوريين، حيث غرق قاربان كبيران في أكتوبر/ تشرين الأول.
في جنوب إيطاليا وجد العديد من السوريين أنفسهم محاصرين، يعيشون بصورة غير قانونية في البلاد، يختبئون من الشرطة، كما يحاولون التسلل إلى الشمال لطلب اللجوء.
في روما أضرم رجل سوري النار في نفسه في تشرين الأول احتجاجا، وفي ميلانو، العاصمة المالية و مركزا العبور بالقرب من الحدود الشمالية لإيطاليا، بدأ السوريون يتوافدون خلال شهر آب/ أغسطس، وبقوا يتدفقون إلى هناك حتى وقت متأخر من شهر نوفمبر، وتم إيواء اللاجئين في محطة القطار المركزية، واضعين المسؤولين المحليين أمام معضلة التعاطي معهم.. يساعدونهم أم يعتقلونهم؟
إن سياسات أوروبا بشأن الهجرة واللجوء مليئة بالتناقضات والإشارات المتضاربة، ففي هذا العام، تعهدت ألمانيا والسويد بمزايا سخية و تأمين لجوء لآلاف السوريين، وهو ما شجع الآلاف فعلا لدفع رسوم باهظة للمهربين، من أجل إيصالهم عبر البحر إلى أوروبا الحلم.

الفقر مثل الحرب
لكن اللاجئين عند بلوغهم إيطاليا، يصطدمون بالروتين، فوفق القانون الأوروبي على الشرطة أن تأخذ بصمات المهاجرين وتسجلهم كلاجئين في إيطاليا، ووفق هذا القانون فإن المهاجر لايحق لهم تقديم طلب لجوء إلا في البلد الذي أخذ بصماته أولاً.
ولأن قليلا من السوريين يريدون اللجوء في إيطاليا، حيث الركود الاقتصادي ومزايا المهاجرين هزيلة. ومع أخذ بصماتهم لول مرة في إيطاليا، فإن السوريين المتسللين شمالا نحو السويد أو ألمانيا، سيعادون مرة أخرى إلى إيطاليا.
تقول عبير: "هنا ليس ثمة وظائف ولا منازل.. إنهم متعاطفون لا أكثر، لكني لم أغادر دمشق للعيش في ظروف كهذه. الفقر سيء مثل الحرب".

عبير واسرتها خططوا لمغادرة إيطاليا بسرعة نحو السويد، وأمضوا نحو شهر يتجولون في أنحاء إيطاليا، في محاولة للتملص من الشرطة وسلطات الهجرة.

تقول عبير من  إحدى حدائق ميلانو: "اعتقدت أن الأمور ستكون أسهل لكن أحلامنا بدأت تتلاشى".
وتمضي عبير برواية مأساتها التي بدأت من سوريا، حيث دمر قصف النظام شركة زوجها وأطلق أمن النظام النار على ولدها المراهق لكنه نجا، وبقي العنف مخيما على جو الأسرة، حيث قتل رجل في سيارة كانت متوقفة أمام منزلها. وفي يوم آخر، وجدت عبير رأسا بشريا في الشارع!

قالت إنها شرعت بعد ذلك في بيع الأغراض، مثل الخواتم والقلادة، وجهاز الكمبيوتر المحمول ، والهواتف الجوالة، وأرسل لها أقارب وأصدقاء مالا حتى استطاعت جمع 11 ألف دولار للسفر نحو أوروبا.. عبر البر يبدو السفر شبه مستحيل، ولذلك يلجأ معظم السوريين إلى المهربين لنقلهم بالقوارب.

استقلت أسرة عبير الطائرة إلى مصر، وقضت 15 يوما تجول من بيت إلى آخر في مدينة الإسكندرية، حتى تم حشرها في قارب صغير انطلق تحت جنح الظلام، مع مهربين كانوا يهددون الركاب كل لحظة.
بينما يقول "باسم" الذي يعمل في اختصاص طبي، وقضى 10 أيام في البحر ليصل إيطاليا: "سمعت أن السوريين يتلقون معاملة سيئة في الأردن ولبنان.. سوف أذهب إلى السويد. السويد فيها حياة جيدة".

3 ساعات صارت 15 ساعة
الطريق من مصر نحو أوروبا يمكن أن يستغرق 6 أيام أو أكثر، والمهربو يتقاضون بين 1000 و3500 دولار على الشخص الواحد لإيصاله إلى المياه القريبة من صقلية. القوارب التي تقوم بالمهمة معظمها قوارب صيد خشبية شبه متهالكة، ومع ذلك يخاطر بعض المهربون ويحشرون في القارب الواحد قرابة 500 شخص.
عادة، ما يغادر المهربون مصر وقد حملوا اللاجئين على متن سفينة كبيرة (السفينة الأم)، وهي تقوم بجر قارب أصغر. وقبل الوصول إلى المياه الإيطالية، يتم حشر اللاجئين في القارب، ويعطون هاتفا يعمل بالأقمار الصناعية وأرقام الطوارئ في إيطاليا. وسرعان ما يعود المهربون العودة إلى مصر على متن السفينة، تاركين السوريين في البحر لعدة أيام، ريثما يتم إنقاذهم .

تخلى المهربون عن القارب الذي كانت تستقله عبير في اليوم الخامس من الانطلاق واعدين الركاب بأنه سيصل إلى البر خلال 3 ساعات. ولكن وبعد مرور 15 ساعة، تصاعد يأس الركاب، وأصيبوا بإعياء وإحباط شديدين.

تقول عبير: "عندما رأينا سفينة الإنقاذ نسيت كل الآلام، نحن ذاهبون إلى البر مرة أخرى. لقد كرهت البحر". ولكن حالما اقتربت سفينة الإنقاذ ذكر السوريون بعضهم بعضا، إياكم وبصمات الأصابع في إيطاليا!
ليلا ونهارا كان اللاجئون يتدفقون على سيراكيوز طوال فصل الصيف وحتى بدايات الخريف، حتى إن قائد من خفر السواحل يصف الوضع بالقول: أرقام اللاجئين كبيرة هذا العام، ولاتقارن مع أي عام"، موضحا أن العام الماضي، شهد إنقاذ 572 مهاجرا في البحر. لكن مع أواخر نوفمبر من هذا العام، تجاوز عدد المهاجرين 11500، معظمهم من السوريين، أو الفلسطينيين الذين كانوا عاشوا طويلا في سوريا .
أخبار المآسي شائعة هنا، حيث يعثر خفر السواحل على جثث في قوارب اللاجئين؛ إحد الأمهات رأت اثنين من أطفالها يموتون أمامها على القارب، وكانت عليها أن ترمي جثمانهما في البحر. 
ولكن هناك أيضا أنباء مفرحة. ففي أواخر سبتمبر/أيلول، وصل رجل سوري يدعى جعفر إلى مكتب خفر السواحل وهو منخرط في البكاء. فقبل ذلك بعام، كان جعفر قد تسلل إلى فنلندا، والآن يأتي إلى صقلية للعثور على شقيقه واثنين من أبناء الأخ.

غرفة فقط
منذ خروجهم من مصر، تابع جعفر أقربائه عبر الرسائل النصية، وعندما أحضر خفر السواحل قاربهم في وقت لاحق، صاح جعفر: "أخي! يا أخي!" ثم أعطاه الهاتف المحمول ليبث الأخ صورته وصورة طفليه، عبر سكايب، إلى زوجته التي ما زالت في سوريا.

لكن بعد ساعات من وصول اللاجئين، يطلب مسؤولو الشرطة والجمارك من هؤلاء أخذ البصمات وتسجيل بيانات كل شخص، وفي مرات عدة، يقبض السوريون أكفهم رافضين فتحها لأخذ البصمات، ويشكوا سوريون أن الشرطة تجبرهم على البصم، وفي بعض الحلات تلجأ لضرب بعضهم.

نجحت عبير وأسرتها في الوصول إلى ميلانو شمالا بعد عناء وإنفاق أموال هم بأمس الحاجة إليها، لكن عبير وأسرتها ليسوا السوريين الوحيدين هنا، ففي عاصمة المال والأزياء، وتحت لوحات لـ"هوغو بوس" و"دولتشي آند غابانا" في محطة القطارات، يجلس مئات من السوريين.

إيطالي من أصل سوري، قال: "قبل أسبوع، كان هناك 40 الى 50 شخصا سورياً هنا، اليوم، أحصينا أكثر من 240 شخصا"

"أ.علي" شاب عمره 21 عاما، طالب طب أسنان من دمشق، كانت من بين الناجين من كارثة غرق قارب المهاجرين في أكتوبر/تشرين الأول، يقول: لقد تمكنت من السباحة لكن هناك آخرين لا يمكنهم السباحة. توفي العديد من الأطفال. مات كثير من الناس ومن ضمنهم نساء حوامل.

بالنسبة لـ"عبير" واسرتها فقد جاءت فرصة الخروج من إيطاليا أخيرا. وتلقوا اتصالا من ألمانيا لنقلهم غلى هناك، ولكن السيارة لايمكن ان تحمل سوى عبير وأطفالها الثلاثة، أما زوج عبير فيجب أن يبقى في ميلانو حتى يجد حلا!.

وصلت السيارة إلى ميلانو يوم 25 أكتوبر. وبعد ذلك بيومين، وصلت عبير وأطفالها إلى ألمانيا. وبعد بضعة أيام انتقلوا إلى السويد في رحلة استغرقت الرحلة 32 ساعة، كما إن زوج عبير وجد طريقه إلى هناك.

مثلت الأسرة أمام السلطات السويدية، وقدموا بصمات اصابعهم عن طيب خاطر. وبحلول نوفمبر/ تشرين الثاني، بدأت الأسرة تقديم طلبات الحصول على تصاريح إقامة، في خطوة أولى نحو بناء حياة جديدة.

تقول عبير: "نحن نتطلع إلى تأمين غرفة، وليس منزلا"، كما تتمنى عندما كانت في ميلانو.


ترجمة: زمان الوصل - خاص
(129)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي