حديث الثورة (القَتل)
مع ظهور نغمة (التَجْويل)، أي قيام الثوار المسلحين باختطاف بعض المواطنين السوريين والتحقيق معهم بتهمة العداء للثورة، أو (التشبيح) بدأنا- نحن الثوار المدنيين- نشعر بالقلق، فالثورة قد أصبحت، إلى حد ما، في خطر، بسبب اشتراكها مع (النظام) في ظاهرة الاعتقال التعسفي الحقيرة التي ثار الشعب على النظام، أساساً، لأجلها.
انزاحت الثورة، إذن، عن مسارها السلمي، وهذا ما كان النظام يريده ويسعى إليه، وأنا شخصياً، مع دخول الثورة في المرحلة المسلحة، لم أعد أجد وقتاً للمساهمة في الإعداد للمظاهرات، وتقديم جُمَل لكتابة اللافتات، وأصبح عملي يقتصر على سلسلة من الإجراءات اليومية، تبدأ بالرد على الهاتف والموبايل لأتلقى طلبات من بعض الأصدقاء بالسعي للإفراج عن شخص (مُجَوَّل) أو أكثر، ثم مغادرة البيت إلى مكتب الصديق (ر) الذي نشترك معه في قيادة مجلس الثورة، لأسأله عما جرى بخصوص الأشخاص الذين طلبتُ منه البحث عنهم من قبل، وإعطائه أسماء المُخْتَطَفين (المُجَوَّلين) الجدد،.. وهو بدوره يُجري اتصالاته مع قيادات المجموعات المسلحة المنتشرة في كافة أنحاء المحافظة، وأحياناً يُعلمني بأن أحد (المُجَوَّلين)، قد أخلي سبيله، فنفرح ونستبشر بأننا حققنا إنجازاً ما لثورتنا..
كانت المراكز الرئيسية للتَجْويل هي: سرمين، سراقب.. بنش، تفتناز.. لوقوع الأولى والثانية على طريق (إدلب- دمشق)، والثالثة والرابعة لوقوعهما على طريق (إدلب- حلب القديم)، ولتجاورهما مع بلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام على نحو كبير للغاية..
(استدراك: كنا نبدي اهتماماً خاصاً لإطلاق سراح شخص شيعي أو علوي أو درزي أو مسيحي للتأكيد على حقيقة أن ثورتنا ليست طائفية)
استيقظتُ، ذات صباح، على خبر اختطاف شاب يحمل نفس الكنية الخاصة بي (بدلة)، كان يعمل في تسيير المعاملات بالقرب من مبنى الشرطة الجنائية. ومن البديهي أن يُهرع ذووه إلي، لعلمهم أنني من تنسيقيات أو قيادات الثورة، وأن لي كلمة مسموعة عند رفاق دربي الثوار.. وأنا وعدتُهم خيراً، مع أنني كنت قد أدليت بتصريح علني في مسقط رأسي معرتمصرين ملخصُه أن أقاربي ليسوا (آل بدلة)، وإنما أقاربي أولئك الذين خرجوا يطالبون بالحرية والتداول السلمي للسلطة في بلدنا الغالية سوريا.
خلال رحلة البحث عن ابن عمي (المُجَوَّل)، اكتشفتُ وجود خطر آخر يتهدد الثورة السورية يتمثل في نقطة تشابه ثانية مع سلوك النظام، وهي (الكذب)، وقديماً قالت العرب (الرائدُ لا يكذب أهلَه)!
عَوَّدَنا نظامُ حافظ الأسد الاستيطاني، خلال السنوات الأربعين العجاف الماضيات، على (الكذب) في مجال السؤال عن المعتقلين. فمثلاً، أنت مواطن سوري، اختفى ابنُك فجأة. تعرف أن أحد فروع الأمن قد اعتقله، تبدأ بالبحث عن أصدقاء ومعارف وسماسرة ووسطاء ترسلهم للسؤال عنه. في أمن الدولة يقولون (والله العظيم نحن ما أخدناه)! وفي الأمن العسكري يقولون (سامع الصوت.. ما شفناه)! وفي الأمن السياسي يحلفون على القرآن (تصور.. القرآن)، أن أعينهم لم تقع عليه! وفي (الجوية) يحلفون بالطلاق بالتلاتة أنهم لا يعرفونه، ولم يسمعوا به! ويزيدون في الطين بلة حينما يعرضون عليك المساعدة في معرفة الجهة التي اعتقلته، وتحريره، بينما يكون ابنُك المسكين يتعرض لأبشع أنواع التعذيب في القبو لديهم!
مضى أكثر من عشرة أيام، وفي كل صباح يأتي أولاد عمي، أشقاء (المُجَوَّل) لزيارتي في البيت (اللقاء الواقعي أأمن من الاتصالات التي يراقبها النظام كعادته منذ أربعين سنة)، بقصد أن يعرفوا ماذا جرى معي بخصوص شقيقهم، وليطلعوني على ما سمعوه من أخبار عنه يقول بعضُها إنه في سرمين، والثاني في تفتناز، والثالث عند (أبو عبدو) والرابع عند (أبو كنجو) والخامس أنه صار في جبل الزاوية عند (أبو الحجي)، والسادس أنه- لا سمح الله- قد قُتل.
الشباب ثوار إدلب، في الحقيقة، يكنون لي محبة خاصة، لمستُها بيدي أكثر من مرة، فحينما كنت أطلب منهم المساعدة في البحث عن ابن عمي كانوا يبذلون جهوداً مضاعفة لمعرفة أين هو، وذهب (أبو صبحي) في الأمر بعيداً حينما غضب، وصار يقول لرؤساء المجموعات وهو يكلمهم على الموبايل: بشرفي عيب على مَن يحتجز (فلان بدلة) ألا يطلق سراحه فوراً إكراماً لهذا الإنسان الرائع .. إياي يعني.
خلاصة القول هي أن الجهة التي كانت تختطف ابن عمي قتلته، ورمته على الطريق الواصل بين جبل الأربعين ومعرة النعمان..
ههنا دخلنا في التشابه الثالث بين النظام وبعض مُدعي الثورة، مُشَوِّهي الثورة، ويتمثل بـ (القتل)..
ملاحظة: مهما عددنا من مشاكل الثورة وأخطائها، لن نصل إلى النتيجة التي يريدها النظام، وهي أنه، أي النظام، أحسن الموجود. فبرأيي أنا النظام انتهى، وصار في ذمة التاريخ.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية