"هناك رجال عندما يرحلون، تهتز الدنيا لفقدهم..تبكي السماء والأرض لوفاتهم، تنعي المنابر خبر موتهم، تئن المحاريب على رحيلهم، لأجلهم: تذرف العيون دموعاً وتسكب القلوب دماء"، بهذه الكلمات الصادقة المؤثرة نعى الناشط الدكتور عصام ناصر صديق طفولته الشهيد عبد القادر الصالح المعروف بلقب "حج مارع" الذي كان أنموذجاً فريداً للثائر المثالي الذي لم يغره بريق الشهرة، ولا أغوته شهوة المناصب، فمات كما عاش حراً عزيزاً، ولم يجد الدكتور عصام ناصر من عربون وفاء لذكرى صديقه العطرة سوى أن يطلق لقبه (الحاج مارع) اسماً لابنه الوليد الذي أطلق صرخة الحياة عندما جاء خبر استشهاد الصالح لتستمر دورة الكون.
ويذكر أن الدكتور عصام ناصر الذي عرف بنشاطه الداعم للثورة السورية في السويد من مواليد مارع (شمال حلب) عام 1980 حصل على الثانوية العامة 1999 واجازة الفيزياء بمعدل جيد جدا عام 2004 ودرجة الدبلوم دراسات عليا باختصاص الجسم الصلب ومعدل ممتاز والماجستير والأول على حلب عام 2011 بمعدل 92 % ومحضر للدكتوراه قسم الفيزياء النووية والجسم الصلب لمادة تحويل الماء إلى وقود نشر العديد من المقالات العلمية في مجال اختصاصه في عدد من المجلات العلمية المحكمة وبعض المطبوعات الثورة.
حكايتي مع صديقي حجي مارع
حول بداية معرفته بالشهيد عبد القادر الصالح يقول د. ناصر لـ"زمان الوصل":
كان الشهيد عبد القادر الصالح -حاج مارع- صديقاً لي منذ مرحلة الطفولة رغم أنه كان يكبرني ببعض الأشهر، درسنا المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية معاً معرفتي به لم تقتصر على الدراسة بل توطدت من خلال تجارة الحبوب (بعض مكونات الحبوب كالفول والحمص والعدس) بين عامي 2004 و2009 في مدينة مارع حيث كان لدي محل لبيع هذه المواد، وكنا نعمل أيضاً في بيع وشراء المحاصيل الزراعية، وكان الشهيد عبد القادر الصالح أميناً إلى أبعد الحدود في البيع والشراء (لا يبخس الأشياء حقها) ويضيف د. ناصر: شاركت مع الشهيد الصالح بشكل سري منذ بداية الثورة بسبب تنقلي بين جامعات حلب وريفها ونظراً لوجود شقيقات لي في جامعة حلب واشتعل هو لصالح الثورة السلمية في بداية الأمر ولم يكن يحب الشهرة نهائياً.
وهب كل أمواله لشراء السلاح للثوار
وحول صفات الشهيد الإنسانية وعمله في خدمة الثورة يضيف صديقه ناصر:
كان الشهيد عبد القادر الصالح إنساناً رائعاً، يتميز بأخلاق عالية ومثل إنسانية قلّ نظيرها، كان يكره الظلم دائماً منذ بداية طفولته، مبتسما وملتزما بقانون الشرع الإسلامي المتزن وليس المتزمت، يحب التعاون، ويساعد جيرانه على الدوام نشأ في أسرة طيبة ملتزمة بسيطة محببة للجميع، وحتى أثناء تأدية الخدمة العسكرية وكان يخدم في مجال الهندسة الكيماوية كان محبوباً من جميع أفراد المنطقة العسكرية التي خدم فيها، وبعد أن أنهى الخدمة العسكرية عمل في التجارة حيث بدأ من الصفر ومارس عمله التجاري بصدق وأمانة، لم يكن يدعو للتشدد، بل إلى إنسانية الإنسان وتعلم الشريعة الإسلامية على أصولها.

وعندما بدأت الثورة السورية وهب كل أمواله لشراء السلاح للثوار، كان يسعى لتوحيد الآراء والمواقف ولمّ شمل الأحياء والحارات والقرى المجاورة لمارع تحت راية الثورة لسوريا ككل وليست لأشخاص أو مناطق معينة، واستطاع توحيد الألوية التي بدأ بعضها بكتيبة صغيرة في مارع، وكان لبعض الأشخاص في بلدات عندان وتل رفعت وإعزاز دور كبير في هذا الأمر، وحاول الشهيد الصالح أن يجمع أكبر عدد من الناس لصالح الثورة بكلماته المؤثرة وأسلوبه اللطيف، ومن خلال زياراته استطاع أن يصل لتوحيد صف الشمال السوري الذي يمثل درع الثورة السورية، وأن يلمّ شمل كتائب كثيرة رغم وجود السلبيات الموجودة في كل ثورات العالم، ولم يكن يُظهر لمتسلقي الثورة من بعض اللصوص في الجيش الحر القسوة بل ينبههم أكثر من مرة فإذا لم يرتدعوا كان يلجأ إلى محاسبتهم بشكل إنساني وشرعي وقانوني في محاكم شرعية.
*حاج مارع جاد ناصر
وحول سبب اختيار تسمية "حاج مارع" لابنه الوليد يقول الدكتور عصام ناصر:
ولدت زوجتي المحامية "جميلة قشاش" في مدينة "كارلس كرونا " السويدية طفلاً أطلقنا عليه اسم "حاج مارع جاد ناصر" ومن عادات الحلبيين كما تعرف تسمية مواليدهم بعد أيام من ولادتهم ولكنني لدى سماع استشهاد صديقي وأخي عبد القادر الصالح المعروف بلقب "حاج مارع" لم أتردد للحظة باختيار هذا الاسم المميز لأطلقه على ابني، ليس رغبة في الشهرة، فأنا كما تعلم مهدد بالطرد من السويد بسبب نشاطي السلمي دعماً للثورة السورية، بل لأن هذا اللقب المحبب يمثل رمزاً خاصاً مليء بالمعاني والصفات الإنسانية النبيلة، وأحببت أن يكون هذا الاسم بما يحمله حاضراً في حياتي اليومية أنى تلفتت أشاهد ذكراه تفوح في أرجاء منزلي مدى الحياة.
علماً أن لدي ثلاثة أبناء آخرين موجودين الآن في مارع وهم محمد وعماد وفاطمة أحدهم (عماد) أصيب في رأسه بعد أن تم تدمير منزلي وحرقه في 10/ 4/ 2013، ولم أستطع استخراج جوازات سفر لهم وإجراء لمّ شمل لهم بسبب دعمي للثورة لذلك أعيش في السويد الآن جسداً لكن بلا روح.
*حسّاسات ضوئية وراء اغتياله !
حول كيفية وملابسات استشهاد صديقه الشهيد الصالح يقول د عصام:
إصابته تمت كما هو معروف في مدرسة المشاة، ولعل القاصي والداني والبسيط والمتعلم يدرك أن وراء اغتيال الشهيد عبد القادر الصالح أحد الجواسيس وتحديد موقع وجوده مع أبطال لواء التوحيد في زاوية كالتي تم استهدافه بها لا يمكن دون مساعدة من أناس ربما كانوا موجودين في حلقته القريبة منه، ولا أحبذ ذكر أسماء معينة، مع العلم أن إطلاق صواريخ من النمط الذي أطلق عليه لا يمكن أن يكون إلا من خلال حسّاسات ضوئية (شرائح تعتمد مبدأ العمل الليزري) أو مبدأ (الهيموغراف) ثلاثي الأبعاد الذي يعطي مدى كبيراً وأشعة تضيء بشكل واسع حتى ولو كانت ليلاً، وهذا يشير إلى أن من أعطى هذه الإحداثيات الدقيقة كان قريب التواجد من الشهيد كما ذكرت آنفاً، هناك للأسف جواسيس (شبيحة) في الثورة وربما هم من حملة السلاح أو من الإعلاميين، ولواء التوحيد في الفترة الأخيرة كان واعياً لهذا الموضوع مع العلم أن "الحج مارع" استُهدف بالاغتيال لعدة مرات ولذلك كان يقظاً لمحاولات اغتيال جديدة، وكان محتاطاً وعلى معرفة تامة بالأفراد الموجودين حوله، وأظن والعلم عند الله أن من يقف وراء اغتياله بعض مراسلي وكالات الأنباء أو الإعلاميين، وأنا اكتشفت عدة أفراد لا علاقة لهم بلواء التوحيد أو بمدينة حلب عموماً يحاولون استدراج قيادات الكتائب والألوية عن طريق التعارف والتواصل، ومن يمشي بهذا النهج من غير المستغرب أن يكون لهم ممثلون في حلب وضمن كتائبها وألويتها وأملنا كبير أن يتم كشف من يقف وراء اغتيال المجاهد عبد القادر الصالح وينال جزاءه بالحق والقانون.
وحول إجراء تحقيق قضائي في كيفية استشهاد الصالح يضيف د ناصر:
لا أظن أن تحقيقاً قضائياً قد أجري حتى الآن وهذا الموضوع يعود تقديره لهيئة قيادة الثورة في حلب ولواء التوحيد والهيئة الشرعية في منطقة "مارع" والريف الشمالي بشكل عام.
فارس الرفاعي - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية