يقولون عن الشخص المستبد إنه غليظ، وإن دمه أثقل من طيب الشتاء.. وإنه لا يمكن أن يكون مضحكاً.
هذا الكلام صحيح، من دون أدنى شك فيما لو كان المستبد يتعمد إضحاك الناس الذين يكرهونه.. فبحسب الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون يحتاج الضحك، كي يحدث، لوجود نوع من المحبة والتعاطف بين صاحب النكتة والجمهور المتلقي. بمعنى آخر: حيثما يوجد الحب والتعاطف يوجد الضحك، والعكس بالعكس.
فلو كان المجرم حافظ الأسد، مثلاً، يُلقي خطاباً على الشعب السوري، عبر الراديو والتلفاز، ويورد، أثناء الخطاب، نكتة. إن معظم أبناء الشعب، وقتها، سوف يصابون بالامتعاض والاشمئزاز، هذا إذا لم يقولوا له في سرهم، على طريقة أهل حلب: (وبا يقشك يا حافظ)!
يحصل هذا حتى ولو كانت النكتة ظريفة، ومبتكرة.
ولكن، لتخيل مشهداً مختلفاً: حافظ الأسد جالس بين أعوانه، وأتباعه، وأقربائه، وأنسبائه، ومحبيه، وقواده العسكريين الكبار، ورؤساء شعبه المخابراتية، وبعض أعضاء القيادة القطرية، ورئيس مجلس الشعب الرفيق عبد القادر قدورة، ورؤساء أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.. ويلقي نكتة.. فيضحك الجميعُ، حتى لو كانت النكتة بايخة، وينقلبون على أقفيتهم، وتدمع أعينهم من شدة الضحك، ثم لا يسكتون حتى تظهر رغبة السيد الرئيس بأن يتوقفوا.. وهذا كله يفعلونه ليس من باب فض العتب، ولا من باب المجاملة البروتوكولية، بل لأنهم يعشقون هذا القائد، ويعتبرونه الأولَ في كل شيء، وبضمن ذلك فن الإضحاك!
المستبد يمكن أن يكون مضحكاً بطريقة أخرى، وهي أن يعرض أفكاراً غريبة، عجيبة، سخيفة، غير قابلة للتصديق، بمنتهى الجد والانسجام مع النفس.
سأضرب على ذلك مثالين:
رجل جزائري اسمه الدكتور يحيى أبو زكريا قدمته الإخبارية السورية على أنه محلل استراتيجي، قال:
إن الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي انتسب إلى المخابرات الأميركية في سنة 1982، وقد ضحت به أميركا في سنة 2011، مع أنه رَجُلُها، وأجيرُها، وخادمُها..
سئل: لماذا؟
قال: لأن الولايات المتحدة الأميركية أرادت أن تُشتعل المنطقة العربية، ليس لأنها ترغب في حرق المنطقة كلها، أصلاً المنطقة العربية لا تهمها، بل لأنها ترغب في أن يصل الحريق إلى سوريا، فتسدد، بذلك، ضربة موجعة إلى سورية، يعني إلى: محور الممانعة.
وقال يحيى أبو زكريا إن الضربة التي كانت أمريكا تزمع توجيهها إلى سورية سوف تؤدي إلى رد فعل إيراني روسي سوري حزبلاهي سريع وأقوى من المتوقع بكثير، وسوف يؤدي ذلك إلى زوال الدولة العبرية إسرائيل، واضاف: على كل حال نحن سنزيل إسرائيل، سنزيلها إن عاجلاً أو آجلاً.
المثال الثاني:
يوم 7/10/2013، عرض الإعلامي نديم قطيش ضمن برنامجه الشهير (DNA) مقطع فيديو مقتطف من حوار أجرته قناة الفضائية السورية- ضمن برنامج "حوارات"- مع رجل كهل لم نتمكن من معرفة اسمه، لأننا لم نشاهد البرنامج الأصلي كاملاً.
قال الرجل، بالحرف الواحد إن ثلاثمئة وستين عضواً من أعضاء الكونجرس الأميركي قالوا (لا) لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا.
وفي معرض جوابه عن سبب هذا الرفض الكونجرسي قال:
الرئيس الأميركي باراك أوباما ارتكب حماقة كبيرة، إذ صعد إلى شجرة عالية، وما عاد يعرف كيف ينزل، لأن مجموعة من الكلاب تجمعت تحت الشجرة وأخذت تعوي بشدة. فماذا فعل؟ أخرج الموبايل من جيبه واتصل بسيادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقال له (يا معَوَّد، يا فلاديمير، دبرها!).. ووقتها اتصل بوتين بالسيد الرئيس بشار الأسد، وطلعا، بقصة الكيماوي وما كيماوي!
ولكنهما، أعني السيدين الرئيسين بوتين والأسد، لم يقدما خدمة الإنزال عن الشجرة لأوباما زكاة عن روحَيّ اللذين خَلَّفَاهُما، بل كان لذلك ثمن ذَكَرَهُ ضيف الفضائية الكهل وهو يضرب بقفا كفه على زجاج المنضدة التي أمامه على نحو متواتر، وهو: أولاً قبول أوباما بالذهاب إلى جنيف 2، ثانياً، قبول أوباما ببقاء السيد الرئيس في السلطة، ثالثاً، الاعتراف بأن مستقبل سوريا يحدده ما يسمونه "النظام" مع المعارضة!
للتأكد من صحة ما ذكرت.. تفضلوا بمشاهدة الفيديو.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية