أبو حافظ.. منحبك

كان صديقي الأديب (سين سين) الذي رحل عن دنيانا وهو في ميعة الصبا رجلاً طريفاً، طرافتُه تأتي من عصبيته، ونزقه، وحنقه على النظام السوري (المُمَانع)!
كان يلعب على لفظة (ممانع) فيقول: هذا النظام ليس ممانعاً، بل هو (مو- مانع)! ويشرحها قائلاً بأن النظام (مو- مانع) أفراد عائلته من تشكيل مافيات للسلب والنهب والتشليح، وبناء إمبراطوريات اقتصادية تقتات على اقتصاد البلاد، واغتصاب زوجات الناس في دمشق وحلب وحمص والمدن والقرى الساحلية..
و(مو- مانع) عناصر أمنه ومخابراته من التحاقُر على الشعب في آناء الليل وأطراف النهار، بدليل أنه أفلتهم علينا مثل الثيران، والكلاب، والجواميس، كل واحد منهم تراه حاملاً في يمناه دفتر مذكراته، وفي قلبه الكثير من الحقد والغل على الشعب، فكأننا أسرى في وطننا الكبير، أو أقنان، وكأن هؤلاء (العكاريت) مكلفون بقياس مستوى عبوديتنا خوفاً عليه من التراجع، أو التناقص.
والنظام (مو- مانع) رامي مخلوف من مص دماء الشعب السوري، و(مو- مانعه) من أخذ نسبة مِنْ كل مَنْ تسول له نفسه الأمَّارةُ بالسوء أن يستثمر ولو دولاراً واحداً على الأرض السورية، فإن لم يدفع النسبة المعلومة لرامي مخلوف فليودع استثمارته كلَّها عند الله الذي لا تضيع عنده الودائع!
و(مو- مانع) أعضاء القيادة القُطرية، والأمناء العامين لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، ورؤساء المنظمات الشعبية، من ارتداء البدلات الرسمية، وكل واحد يترك ربطةَ عنقه تتدلى حتى تصل إلى خصيتيه، والذهاب، في المناسبات، إلى إحدى الصالات العامة، ثم الصعود إلى المنصة، بالتتالي، وكل واحد يُشهر علينا ورقة أكبر من الشرشف السبعاوي، مليئة كلها بحب القائد الرمز، وتعداد بطولاته، وانتصاراته، وإنجازاته، وعطاءاته..
ولك حتى أنه (مو- مانع) الطائرات الإسرائيلية من التجوال فوق الأراضي السورية، وهي التي تحدد المكان الذي ترى من مصلحتها أن تضربه، ثم تضربه في الوقت الذي ترتئيه هي!
في أواسط سنة 2007، كنا نمشي، المرحوم (سين سين) وأنا في أحد شوارع إحدى المدن السورية، فوجدنا مجموعة نسخ من صورة للوريث المدعو بشار الأسد، وقد وُضِعَتْ ضمن خارطة الجمهورية العربية السورية والعلم السوري الأحمر، وكُتبت تحتها كلمة (منحبك)!
لم يتمالك (سين سين) نفسه من الغضب، وسرعان ما أمسك بي من يدي وصار يهزني بقوة وعصبية ويقول لي:
مين هدول، مين هدول؟
قلت: من تقصد؟
قال: هؤلاء الذين يقولون لهذا المسطول (منحبك).
قلت: المقصود أن الشعب السوري يحب هذا الزلمة..
فارتفع منسوب الغضب والعصبية لديه وقال:
الشعب السوري؟ الشعب السوري؟ يخرب بيت الكذب.. طيب أخي، أنا ما راح إحكي عن كل شرائح الشعب التي تكرهه وتكره الأرض التي يمشي عليها هو وأبوه محروقُ النَّفَس، راح أحكي عن نفسي، يا أخي أنا واحد من الشعب السوري، ولا أحبه، فمن هو ذلك الكلب الواطي الذي تطاول علي وحكى باسمي؟.. أخي، أنا بودي أرفع دعوى عليه..
لاحظ سين سين وجود طيف ابتسامة مرتسم على وجهي، فهدأ قليلاً وقال:
كلامي أضحكك؟
قلت: طبعاً.
قال: يعني أنا مخطىء؟ كان علي أن أنضم إلى قطيع الأمن والشبيحة الذين يَدَّعون حب هذا الأهبل، أو أنهم يحبونه فعلاً؟
قلت: أنت مخطىء في شيء آخر.. تريد أن ترفع دعوى على (المنحبكجية)؟ أين؟ في المحاكم السورية؟ حسناً.. في أية محكمة تريد أن ترفع الدعوى؟ في محكمة أمن الدولة التي أمرت بسجنك ثلاث سنوات، ومنعت إخلاء سبيلك بعد انتهاء المدة، ونقعتك سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يوماً على البيعة؟ أم لدى محكمة الأمن الاقتصادي التي زجت الألوف من أبناء سوريا الحبيبة في غياهب السجون، واتهمتهم بالسرقة والفساد والاحتيال، فشوهت سمعتهم في نظر ذويهم وأهالي مدنهم وبلداتهم،؟ أم لدى المحاكم الإدارية التي تسمح لرئيس مجلس الوزراء تسريح مَنْ يشاء من عباد الله، لأسباب قيل إنها تمس النزاهة دون أن يكلف هذا الشخص الغبي الإمعة (أعني: رئيس الوزراء) نفسَه عناءَ بيان الأسباب التي تمس النزاهة التي ألصقها بالرجل؟..
ابتسم صديقي سين سين وقال لي: أرغب في أن أقول لك (منحبك)، ولكن لا، إنها عبارة حقيرة.. حاشاك أبا مرداس!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية