"جينيف" بين المهاجرين والأنصار

ليس لكم صلاحية بالتفاوض على دم أبنائنا، النظام من عسكر الثورة ودوّلها ومن ثم أسلمها وحاول شيطنتها، وكلكم شهود تريدون التحول "لشياطين خرس"، أهي المكتسبات التي منحكم إياها الشعب، أم الأضواء التي سرقتموها من
بطون الجياع وبرد المشردين، أم تراكم تناسيتم ذاك الدم المسوّد لفرط الانتهاك، ألم يقلها دنقل"لا تصالح، ولو منحوك الذهب..أترى حين أفقأ عينيك..ثم أثبت جوهرتين مكانهما..هل ترى..؟ هي أشياء لا تشترى".
وماذا بعد، وما الذي يمكن أن يأتيه القتال ويتأتى عن الثأر والخراب، ألم نتأكد جميعنا أن سوريتنا تحوّلت إلى ساحة لتصفية الحسابات، وساح لإعادة رسم الجغرافيا السياسية من جديد، أين هم "أصدقاء الشعب السوري" لماذا يصمت العالم على قتلنا، أيريدون تأديب شعوبهم الصامتة بأشلائنا، ونستمر في المقابل لأجل أطماعهم وكرمى لشعارات حيناً وانتماءات وارتباطات بقية الأحايين، أيعقل أن نرى في مكونات روحية وقومية، كانت لقرون ميزة وخصوصية، سبباً لنجهز على ماتبقى ونقدم سوريتنا على طبق من ذهب، للوصاية والتقسيم؟! ألم يقلها غاندي "العين بالعين سيجعل كل العالم عميان".
كلما دنا موعد "حل سياسي" أو في صيغة أدق، وهم حل سياسي، ينقسم السوريون، في الداخل والخارج، ومن في حكمهم أحياناً، بين مؤيدين "لأمل دنقل" وأنصار "للمهاتما غاندي"وفي جعبة كل فريق من المنطق ما يستميلك، ومن الوجع، وإن المصطنع، ما يكسوك باختلاط مشاعر، إن طغى الحزن عليها لأجل، يستمر اللاأمل بالطغيان، وكأن قدر السوريين- الذين ساهموا والذين كسبوا والذين صمتوا..وحتى الذين ورثوا حكم الأسد- أن يدفعوا الثمن، كلٌّ أكثر مما ساهم، ويتوه مستقبل البلاد في المجهول ويبقى"الأولاد يضرسون".
قصارى القول: أعتقد من السذاجة السياسية التعويل على واشنطن في حل الأزمة السورية، ببساطة لأن الولايات المتحدة دفعت كثيراً، وعلى الصعد كافة حتى أوصلت سوريا- بمساعدة النظام- إلى هاهنا، ولما تحصد كل ما تريد بعد، وأخص بعد أن حوّل الكبار ثورة السوريين، من مطالب شعب أقرها حتى أنصار النظام في مطلعها، إلى قضية ترسانة أسلحة محرمة دولياً ومكروهة إسرائيلياً، ليبددوا ثروة شعب اشتراها جلادوه من تعبه وعرقه ووقت أبنائه، بحجة "التوازن الإستراتيجي" وراحوا يروّجون -الكبار- ما يقتضي لإتمام فصول المسرحية، من أكلاف تدمير الكيماوي، فزمن الإتلاف، ليستقروا على العام، عام جديد من المماطلة والقتل، هي عمر ولاية النظام الوراثية الثانية، عام يضمن بقاءه ليستكملوا تدمير السلاح والبنى الفوقية، لتكون سوريا بلا "ردع" وأهلوها دونما قدرة على التعايش، ويطرحون بالتوازي -لزوم ما يلزم -شتى أنواع المهدئات والمخدرات، قد لا تكون الضربة التأديبية الأمريكية ولا حتى جينيف 2 آخرها، فالذي بدأ يتضح بعد الغزل الإيراني الأمريكي وبعد إعلان الدب الروسي قطبية العالم الثانية، ينبئ أن "شرق أوسط جديد" آتٍ، وإن بمواصفات اقتضتها المرحلة، شرق أوسط يغيّر من الوكلاء التقليدين، ويمنح طهران -ربما- الوكالة الحصرية للمنطقة. ما يعزز من طرح "جينيف" من جديد ويلح في أسئلة ما بعد، أن ذهب ونفاوض أم نبقى ونحاور، ليكون سؤال أين نحن وماذا لجهة سوريا الواحدة ودم الشهداء أيها المفاوضون.
خلاصة القول: أعتقد أن التبدلات في الموازين جميعها، الإقليمية المخيبة والدولية غير المتوقعة، مضاف لها الأرض وما بدأ يخرج عنها من فتن وانقسام، فالقوي عليها -بدهياً- سيكون الأقوى على الطاولة، لذا تبدل السؤال، من هل نذهب إلى "جينيف" إلى ماذا علينا فعله قبل الذهاب ليقوى موقفنا ويرتفع مستوى مطالبنا هناك.
هنا يأتي دور المعارضة السياسية والحكومة العتيدة في تجميع قوى الأرض وتنظيمها لتكسبهم القوة والشرعية في "جينيف"، ويأتي دورهم في عقد مؤتمر وطني عام- أو ما شابه- ليأخذوا الشرعية من الشعب أولاً ويخرجوا بفريق يعبر عن المعارضة التي تتشهى حتى الآن، شخصيات كارزمية متفق عليها وطنيا وثقافيا وسياسياً لتحسن تمثيلهم، ثانياً، ولا يبالغوا في آمالهم وتنازلاتهم، وهو الأهم ثالثاً، فإن اتفقوا أن "جينيف" للتفاوض حول رحيل النظام ودعودة المعارضة للداخل، لتشكل مع بعض القوى الأخرى حكومة انتقالية صاحبة صلاحية كاملة، وقتها قد يحققون ولو جزءاً من حلم المهاجرين في العودة، وخلاصهم من "ذل السؤال" ويتركون أملاً بالعيش المشترك لدى الأنصار، ويقطعون الطريق على النظام وآله ومن والاه في حلم الدويلات أو الفيدرالية، وفي ذلك ليس جمعاً بين المتناقضات، بقدر ما هو اختزال للفعل السياسي الذي قلما غُلّب على غيره من الأفعال الماضية الناقصة.
- إشارة استفهام: بدأ الرئيس بشار الأسد يروّج لترشحه لولاية وراثية ثالثة -إذا أراد الشعب- ليسأل رجال سوريون في عقدهم الخامس. أليس من حقنا تجريب غير الأسد قبل أن نموت؟
- إشارة تعجب: انشغل العالم بالسلاح الكيماوي وتناسى مستخدمه وترك له المجال واسعاً لقتل السوريين..ولكن بأسلحة غير كيماوية !
- تعجب واستفهام: لماذا عرف النظام- رغم فقدانه كل شرعية- تأسيس علاقات وأصدقاء، وفشلت المعارضة - رغم امتلاكها كل شيء بمن فيه قوة الشعب- في ذلك؟!.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية