اسمحوا لي أن أفتتح هذه المقالة بطرفة واقعية أرى أنها مُعَبِّرة عن واقع الحال الذي نريد إضاءته..
ففي أواخر شهر أيلول الماضي، شهدتْ مدينةُ إسطنبول تأسيس اتحاد الديمقراطيين السوريين. وكنت- أنا محسوبكم- قد دعيتُ إليه بصفتي الشخصية، باعتبار أنني لا أمثل، في الواقع، أيَّ حزب، أو تنظيم، أو تكتل سياسي. وحينما وصلتُ إلى مطار "أتاتورك" اتصلتُ بالصديق المسؤول عن تنظيم المؤتمر وسألته:
كيف يمكنني أن أصل إلى الفندق؟
فقال: تجد في مكان الخروج رجلاً يحمل ورقة كُتِبَتْ عليها عبارة: اتحاد الديمقراطيين السوريين..
ههنا حضرني حس الدعابة، فقلت له: أنا مالي وما للورقة والكتابة؟.. هل هو- أعني حامل الورقة- ديمقراطي؟!
هذا السؤال غير البريء أعاد إلى ذهني وقائع وذكريات من اللقاء التشاوري الخاص باتحاد الديمقراطيين السوريين الذي عُقد في القاهرة قبل بضعة أشهر، وحصلتْ فيه مشاكلُ ومشادات سَبَبُها الأساسي أن السيدات والسادة الحاضرين كانوا يمتلكون نسباً متفاوتة من الإيمان بالديمقراطية، تنقصُ هذه النسبة وتتدنى عند بعضهم إلى حد أنك تستطيع أن تصنفه في خانة (المستبدين)، وهو الآن، في وضعه الراهن (مستبد فقط)، ولكنه، وبمجرد ما تضع في يده سُلْطةً ما، أو قليلاً من السلطة، ينتقل إلى خانة (الطغاة)!
في ذلك المؤتمر، حينما طُرحت فكرة انتقاء عشرين شخصاً يشتغلون في وضع الأسس التنظيمية لتشكيل الاتحاد، برزت إلى السطح فكرتان: الأولى تقول: يجب انتقاء عشرين شخصاً من أولي الكاريزما، والشهرة، واتساع المعارف، بالتوافق، وبناءً على اشتراطات ومحاصصات (كوتا) تُحفظ بموجبها مقاعدُ الأكراد، والأقليات المذهبية، والمرأة،.. والفكرة الثانية: اللجوء إلى صناديق الاقتراع، حتى ولو أطْلَعَتْ أناساً أقلَّ شهرة وإمكانيات.
الغريب في الأمر أن معظم السادة (الديمقراطيين) الذين شاركوا في الحوار في هذا الشأن كانوا ميالين إلى الفكرة الأولى، مع أنها- كما تعلم عزيزي القارىء- فكرة ديكتاتورية، بعثية، عمادُها احتقار الآخرين، والإقلال من شأنهم..
ولكن، ومن حسن الحظ، حينما طُرحت مسألة اختيار إحدى الطريقتين على التصويت فازت الفكرة الثانية.. ولكن بعضاً من أنصار الفكرة الأولى لم تعجبهم الفكرة (الديمقراطية)، وسرعان ما أخذوا يرفعون أصواتهم بالصياح وكأن الواحد منهم جالس إلى جوار فيصل القاسم في برنامج "الاتجاه المعاكس" لا ينقصه سوى أن تكون في يده عصا لينقض بها على خصمه فيدميه..
الثوار السوريون الأصليون الذين خرجوا في ثورتهم السلمية المدنية في آذار 2011 لجؤوا- كما هو معلوم- إلى محاربة الرموز الرئيسية التي قام عليها نظام حزب البعث في مطلع الستينيات، ونظام الحركة التصحيحية باعتباره التجليَ الأسوأ للفكر القومي في سوريا.. وكان أول شيء أسقطوه من قاموسهم العَلَم الأحمر.. ورفعوا مكانه علم الاستقلال الأول ذا اللونين الأخضر والأسود، منوهين، بشكل غير مباشر، إلى أنهم يريدون أن يستعيدوا الدولة السورية البرلمانية التعددية الليبرالية الديمقراطية التي كانت لنا في الخمسينيات (قبل أن تُسقطها الديماغوجية الناصرية والبعثية).. ويجدر بنا، كذلك، أن نستعيد اسم دولتنا الأول (الجمهورية السورية) الذي صادره القومجيون فجعلوه (الجمهورية العربية السورية)..
أغرب ما شاهدته في مؤتمر اسطنبول: واحد إخوانجي عتيق، مقيم في ألمانيا منذ الثمانينيات هارباً من نظام حافظ الأسد العروبي، وقف ليتصدى لفكرة طرحها أحدُ الحاضرين مفادُها أننا يجب أن نسعى لاستعادة اسم الجمهورية السورية، صائحاً بصوت عال:
لا يجوز. لا نقبل.. هل تريدون لنا أن نتخلى عن عروبتنا؟ (مع أنه- في حدود علمي- لم يطلب منه أحد التخلي عن عروبته.. أصلاً الموضوع المطروح ليس هذا)!
شخص آخر، ألقى مداخلة تشبه مداخلات الرفاق البعثيين سب فيها على اتفاقية سايكس بيكو.. ثم دعا للحفاظ على وحدة سوريا، واتهم بعض الجهات في المعارضة أنها تسعى إلى التقسيم.. (هو لا يعرف أنه يدعو إلى الحفاظ على حدود سوريا التي رسمت بموجب سايكس بيكو)!
يبدو أننا محتاجون فعلاً إلى إقامة دورات تدريبية لأبناء وطننا السوريين الذين يريدون أن يكونوا ديمقراطيين.. بشرط واحد فقط لا غير.. وهو أن يكون المدرسون في هذه الدورة من الأجانب!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية