أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

العراب : النفاق أنجع وسيلة لاستقطاب الفنانين!

لم أستطع بعد كل هذه الحلقات، وبعد كل هذا الكم من نجوم الطرب والغناء والتمثيل والرقص والتقليد، وكل تلك الأسئلة المثيرة أو غير المثيرة، في ألعوبة الغرفة المعزولة أو البث المفتوح علي جمهور الأستوديو وجمهور الشاشة... لم أستطع أن أغير رأيي في برنامج (العراب)، ولا أن أتعاطف مع برنامج هذا الإعلامي الذي يمثل نموذجاً ممجوجاً من نماذج النفاق الإعلامي، والتملق اللامحدود لنجوم الفن، من قبل مقدم البرنامج السيد نيشان... لدرجة تدعو للغثيان!
يعتقد السيد نيشان، أن مقدماته الغزلية التي تبدأ من شرح معاني أسماء ضيوفه وامتداحها، تضعه في قلوب أولئك النجوم... والدخول إلي القاموس يبدو حاجة ملحة لدي نيشان دوماً... لأنه يعتقد أنه سيدهشنا بثراء حصيلته في لغة الضاد، كلبناني من أصول أرمنية (يا للإعجاز) ويعتقد بعد ذلك... أن أسئلته المغلفة بسيل من المدائح والتزلف، وطأطأة الرأس، تضمن له علاقة وطيدة مع هؤلاء الفنانين، تتمثل في أن يلبوا دعوته مستقبلا للظهور في أي برنامج يعده... في أي محطة يتواجد فيها!
حسناً... كثير من الفنانين يبادلونه هذا المستوي من النفاق، وكثير أيضاً، سيلبون دعواته دائماً، أملا في أن ترضي مقدماته الغزلية غرورهم، وأن يظهروا علي شاشة التلفزيون بأقل كلفة ممكنة: لا نقد حقيقيا، ولا أسئلة تحليلية، ولا عمق يفضح ضحالة ثقافة بعضهم... ولا حوار قائما علي الاختلاف الذي يثري... وبالتالي يستطيعون أن يكذبوا متي شاؤوا، ويستطيعون أن يستعرضوا ما شاؤوا الاستعراض... ويستطيعون أن يسوقوا الصورة التي يحبون بالطريقة التي يحبون... من دون وجود محاور عنيد وقوي بالمعني الحقيقي للكلمة... لكن ماذا سيبقي للتاريخ من هذا يا سيد نيشان؟!
ماذا سيبقي من هذا في ذاكرة مشاهد، خارج بعض الأسئلة التي تحاول فيها أن تسوق ثقافة النجومية التجارية بالمعني السطحي، لا الحوار الفني الذي يثري ثقافة مشاهديه، ويشرح تجربة ضيفه ويبرز مقدار أصالتها أو عمقها؟!
في مقدمة الحلقة التي استضاف فيها الفنان جمال سليمان مع إلهام شاهين... أراد أن يحلل اسم (جمال) في القاموس، فقال إن اسمه كما هو معروف مشتق من الحسن، ثم أضاف بأن ( ُجمال) بضم الجيم... هو الشخص الشديد الحسن، ثم طرح علي الجمهور سؤالا: هل هو جمال بفتح الجيم... أم ُجمال بضمها؟!
بالله عليكم ما هذا السخف؟! هل جمال سليمان هو فتي إعلان أم عارض أزياء، عدته في الشغل هي الطلة الجميلة؟! أنا أعرف ثقافة جمال سليمان ومشواره الطويل لإثبات نجوميته... وقد روي شيئا من ذلك المشوار الصعب في البرنامج... لكن أليس استخفافاً أن يكون المدخل هو الحديث عن وسامة جمال، وكأنها امتيازه الأمثل؟! ثم ألم ينقض ذلك العهد من الفن العربي الذي كانت فيه وسامة الممثلين الرجال شرطا لازما للنجومية، مع بزوغ عصر عادل إمام وأحمد زكي ويحيي الفخراني منذ عقود... ومع عصر الكثير من الممثلين السوريين العباقرة الذين لم يكن جواز مرورهم إلي النجومية وسامتهم، مثلما يحدث مع النساء أحيانا؟! حين استضاف نيشان أيضا الفنان كاظم الساهر... والفنانة ميادة الحناوي، قدم للحلقة بالقول: (الليلة مين أنا مستضيف؟ نجوم؟ عمالقة؟ مدارس؟ أم أكثر الفنانين الهواة احترافاً؟) وقد طرح هذا السؤال علي ضيفيه... وكأنه يطلب منهم أن يختاروا المرتبة التي يفضلون ان يحلوا بها من مراتب المدائح والألقاب والتبريكات. ميادة حولت السؤال للجمهور، وكاظم اختار لقب (أكثر الفنانين الهواة احترافاً) ربما لأنه أدرك أنه أهون الشرور في سيل تلك المدائح المحرجة... وخصوصاً ان العرب تقول ان أسوأ المديح هو ما يكون بحضور شخص الممدوح؟!
الرغبة في تحويل الهذر المجاني والحكائي السطحي إلي حدث، تقود نيشان إلي تصنع الدهشة في إعطاء بعض الأمور العادية قيمة استثنائية كبري... ولهذا نراه في الحلقة ذاتها، يسأل ميادة حناوي: (شو... شو... عيدي اللي قلتيه) عندما قالت ميادة إنها تطلب لحناً من كاظم الساهر. يا للهول، ما هذا الإنجاز... ما هذا السبق الذي يتضاءل أمامه لقاء عبد الوهاب وأم كلثوم في (إنت عمري)؟! نيشان أعلنها: ميادة طلبت لحنا من كاظم في برنامجه تحديداً... حسناً هذا يمكن أن يحدث في اتصال هاتفي، فميادة لن تحتاج لواسطة كي تتصل بكاظم الساهر، وكاظم لن يحتاج لمقدمات كي يلحن لميادة حناوي لو هو أراد حقاً... ولو هي أصرت... فما هذا الافتعال يا سيد نيشان.... وما هذه الفرحة الساذجة وكأنك وفقت رأسين بالحلال... ولميت الشامي ع المغربي كما يقول المثل الشعبي؟!
يمضي برنامج (العراب) في مساره الملفق، وابتساماته اللزجة، وفكرته المحدودة... ليجتر أسئلة سطحية، من تلك التي نقرأها في حوارات مجلة كالشبكة... من قبيل: ما رأيك بفلان؟! وهل تغارين من فلانة؟! وما هو اللقب الذي تفضله؟! وهل تزوجت فلانة من ثري عربي؟! ولماذا لم تجتمع مع زوجتك الممثلة في فيلم سينمائي؟! ولماذا تزوج فلان وطلق زوجته الثانية بعد شهر؟! وماذا رد الفنان الفلاني علي الصحافية التي شككت برجولته؟! ويلتقط الفنانون خيط التواطؤ... فيردون الجميل لنيشان، حين يعتبرون أن معرفته بمعلومة من عمق حياته الشخصية أمر يثير الإعجاب حقاً: (نيشان بيعرف معلومات عجيبة جدا يا جماعة) تعلق إحداهن بلهجة مصرية رائعة، (إنت مخابرات) يصفه آخر بلهجة خليجية واثقة... وتلتمع أسنان نيشان البيضاء خلف ابتسامة الظفر بمكامن إعجازه في مرآة ضيوفه وربعه!
ولا ضير في أن تكون هذه الأسئلة هي نموذجه المفضل، ما دام لا يفتأ يذكر مجلة (الشبكة) في كل حلقة، من دون أن ينسي نسبها لدار الصياد وإرفاقها بصفة (الغراء) تقديراً لمسيرتها التاريخية في نشر الصور الفاضحة، والمسلسلات الغرامية، وإعلانات اللانجوري، وترهات أهل الفن... في عملية دعائية مفضوحة لهذه المطبوعة ولكتابها ورؤساء تحريرها السابقين واللاحقين! إن (عراب) نيشان، يكاد يشبه إلي حد بعيد، حوارات هالة سرحان الفنية، نفس المقدمات المدائحية التي تسبغ علي الضيوف معجزات وكرامات (تخر لها الجبابرة ساجدينا)، نفس الاجترار السطحي لأسئلة عن الطلاق والزواج وسنة الميلاد والمنافسة التراتبية مع زملاء الفن. والرد علي ما قاله فلان وما لمح له علان... مع فارق بسيط هو أن نيشان لم يرقص مع ضيوفه كما كانت تفعل هالة سرحان، ولم يبالغ كثيراً في إطلاق الضحكات بمناسبة وبلا مناسبة لرفع حرارة الحوار، وإعطاء إيفهات مناسبة لبروموشن الحلقات!
لكن هالة سرحان غابت... أو تراجع حضورها الروتاني... فماذا بقي منها للتاريخ والذكري سوي تلك الحوارات السطحية التي لم تحجز لها مكانة دائمة لدي المشاهد الذي يستهلك هذا النوع من الحوارات والبرامج كاستهلاك المشروبات الغازية في لحظة تخمة، أو ربما علي طريقة المثل الشعبي: بعيد عن العين... بعيد عن القلب!
وقديما قالت العرب: أردأ الشعر أصلحه للغناء... أما السيد نيشان فيثبت أن أكثر الحوارات سطحية ومجاملة، أنجعها لاستقطاب الفنانين... فطب بهذا المجد!

معتز الدمرداش وهنيدي: حوار من نوع خاص!

الصورة الأخري للحوارات الفنية التي تستحق المتابعة فعلاً... قدمها معتز الدمرداش، علي قناة (المحور) في برنامجه الشهير (تسعون دقيقة) حين خصص إحدي حلقاته (كاملة) لحوار ضاحك مع محمد هنيدي! معتز، تدفق في حوار عفوي وضاحك، وبعيد عن التصنع... اتفق مع ضيفه، أن يهجر الكلام الممجوج عن سينما الإيفيه، وعن صراعات الفن، وأن يتحدث عن الحياة والناس والسياسة!
أبرز ببساطة ومن خلال أسئلة مباشرة خوف الفنانين التقليدي من الحديث في السياسة، لكن أعطي الفرصة لهنيدي كي يقترب من الناس أكثر، حين تحدث عن أزمة الخبز في مصر، وعن حق الناس في أن يأكلوا (عيش) قبل كل شيء... قبل إصلاح قانون السير وتوعية الناس بالنظافة، والحرص علي المسؤولية!
لم يقدم الدمرداش ضيفه بمقدمات إنشائية، ولا غزل أبله باسمه مستمد من بطون القواميس، بل قال له سأناديك (محمد) لأنني أحب هذا الاسم بلا ألقاب... ولا سأله إن كان يحب أن يكون قيصر الكوميديا أم كوميديان الجيل... بل دخل في الحوار مباشرة، وقال لضيفه بالذمة إنت اليوم (كووول قوي) يعني إيه كول يا محمد؟! حوار ضاحك، ساخر بلطف، ترفيهي لكنه إنساني... أبرز صورة ضيفه بأمانة، لمس نقاط ضعفه برهافة، وبلور نقاط قوته بلا تزلف ولا مدائح فجة! شكراً لمعتز الدمرداش... ولمحمد هنيدي علي هذا الحوار، الذي اشترك الضيف والمضيف في صنع ظرفه وخفة ظله.. فكان حواراً وليس صدي لمونولوج أحادي مليء بعقد النجوم!

فضائيات بحجم اختصاصاتها!

مبروك للمشاهد العربي حقاً....
هناك قناة خاصة بالطبخ في فضائه التلفزيوني اسمها (فتافيت) اهتمامها الأساسي الوصول إلي قلب المشاهد عن طريق معدته... وهناك قناة أخري للموبايلات اسمها (آي ـ تو) تقدم الجديد في عالم الموبايلات، ونشرة أسعار أحدث الأجهزة في عدد من البلدان العربية يومياً، كما تقدم مسابقة لأجمل عملية تجميل أو تزيين يمكن أن يقوم بها هواة تزيين الموبايلات... كما أن هناك ألبوم يعرض أجمل الصور مع أسماء المصورين علي شاشة تلك القناة، لهواة التصوير بالموبايل!
مبروك للمشاهد العربي، فضائيات تلبي كل احتياجاته... وتسخف كل اهتماماته... وتستغل كل إمكانية لتخديره، وجعل حجم تفكيره بحجم القضية التي يهتم بها... وبحجم وثيقة تنظيم البث الفضائي التي أقرها وزراء الإعلام العرب اليوم حقيقة لا مجازاً!

محمد منصور القدس العربي
(153)    هل أعجبتك المقالة (153)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي