أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هالا محمد.. نريد موتنا، فالموت مجزرة مجزرة ليس موتنا

بقصائد مرقمة، ربما كشواهد قبور الشهداء المتكاثرة، ترصد الشاعرة "هالا محمد" ثنائية الموت والحرب في سوريا.. ثنائية جعلت مجموعة "قالت الفراشة" تستحق تسمية مجموعة القصيدة الواحدة لأن الموضوع واحد موحد، ينهل كله من المأساة ويدور في فلكها.

في "قالت الفراشة" عزف على وتر واحد، للحن واحد، عن وجع واحد هو سوريا، لتبقى التفاصيل التي تفرق قصيدة عن أخرى مجرد تفاصيل!
تقول هالا إنها أهدت مجموعتها "إلى السوريينَ على ضفاف بحيرة الدّمع والدّم والأمل". 

وكيف تملك "هالا" أن تتجاوز الألم، وهي التي كتبت قصائد المجموعة على طريق الآلام بتوقيته الثقيل، المثقل بزهاء سنتين ونصف من الجراح، مؤكدة: كتبت قصائدها بين عامي 2011 و2012.. القصائد الأقدم، وهي ثلاثة فقط، عدّلتها مع الزمن أو عدّلتْ موقفها الشعري لتصير ملكاً للحظة. 

150 صفحة، ضمّنتها "هالا" مكنونات نفسها، باحت بها مرات بشكل مباشر وأخرى تلميحا، حيث يجوز للمجاز ما لايجوز لغيره.

صور ملونة أو سوداء وبيضاء، أودعتها "هالا" في قصائده المرقمة، ففي القصيدة رقم ثلاثة تقول: أيها السنونو/ الريشة في النافذة/ زينّا بها صورة الشهيد/ قطار الموت من الصورة.

وفي الرقم أربعة نردد مع "هالا": لا وقت للرياحين/ القبور كأنها عابرة/ ليس موتا هذا الموت/ الأجساد ساخنة/ ضاحكة/ حارة/ حرة/ كأنها تحيا/ كأنها لا تموت.

ولأن للقتيل والقاتل دفاتره، تكتب هالا في القصيدة الخامسة: بصدر عار/ تسقط الدفاتر/ دروس في التعبير والقراءة/ سندويشات من الخبز الطري/ ومثلثات الجبنة الضاحكة.

أقلام الرصاص/ تعاون الأهل على بريها/ في البيت/ توضيبها في حقيبة المدرسة/ بالرصاص الحي تذوي.. القاتل الأمي/ يلقن ابنه الحبيب دروس التلوين/ بالأحمر/ في دفتر الرسم/ الشارع.

وهل يمكن لشاعر يرصد الموت في سوريا أن يتجاهل الدبابة؟.. فكيف إذا كانت مهمتها الأولى ملاحقة الفراشة!، كما تقول القصيدة السادسة: الدبابة/ في حديقة البيت/ تلاحق الفراشة/الشاهد/ كي لا تكشف/ كي لا تبث المجزرة.

أما الحنين في قلوب اللاجئين فله طعم آخر، تزنه هالا بالأحرف، على لسان لاجئة: تلفتت في الخيم البيض/ في العدم/ في صقيع الضوء/ في الكفن/ لا يحق للاجئ تاريخ ولا جغرافيا/ تلفتت/ تلفتت/ كبرت/ شابت/ وأشارت/ إلى بلاد قريبة/ أمامها خلف الحدود/ سماؤها زرقاء/ بلا حدود/ تهجت اسمها حرفا حرفا/ قبلت اسمها حرفا حرفا/ انحنت/ باست شط تربتها/ وقالت: سوريا.

ولعل القصيدة 31 تكثف كثيرا مما أردت "هالا" قوله وإيصاله، ألم يأن للسوريين أن يستعيدوا الموت في صورته التقليدية أسوة ببقية الناس، الذين يموتون في حادث سير أو على سرير المرض، أو لأنهم وصلوا نهاية عمرهم؟
موت المجازر ليس موت السوريين، هذا ما تردده "هالا" بكل ألوان الكلمات وأطياف السؤال الموجوع: أن تصل إلى الموت في مجزرة/ هذا ليس موتك/ هذا هو الموت/ نريد موتنا/ موت المواطن فردا فردا/ من سرق موتنا من تحت مخداتنا!/ من تحت أقدامنا/ من سرق الموت من المستشفيات/ من حوادث السير/ من الشيخوخة/ من الصدفة/ من الحزن/ عن العتبات/ من حوادث الغرق/ من انتحار العشاق/ من الفراق الطويل/ من الغياب/ من الغربة/ من الفرح/ هذا الموت/ مجزرة مجزرة/ ليس موتنا.

نريد موتنا/ فردا فردا/ فردا فردا/ دمعة دمعة/ دمعة دمعة.

زمان الوصل
(122)    هل أعجبتك المقالة (124)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي