عن الجزيرة توك : مع آذان الفجر يسعى (أبوشادي) إلى عمله راكباً دراجته العتيقة , التي يحمل هيكلها المتهاوي بعض أحلامه و بسامير و مطرقة و لوازم أخرى للعمل , ليرجع مساءً محملاً بالخبز و الزعتر البلدي , و قبلهما ما تبقى من المسامير و المطرقة و لوازم العيش , ليبدأ مع و صول الأب شوق ( شادي ) للدراجة الهوائية التي يركب عليها كل مساء , مصطحباً بعضاً من أحلامه و أصدقائه , ليعبر بها أزقة حارته الفقيرة ( حمص – البياضة ) إلا من الحلم و لسان حاله يقول : على دراجة أبي املك الدنيا و طفولتي ......! ثم يشرع ذراعيه للهواء و لحلمه القائل : دراجة صغيرة لا يشاركني بها أحد ..
هذه صورة لبساطة طبقة واسعة من الشعب السوري , و التي اتخذت من مناطق المخالفات مسكناً لها , و من وعود أعضاء مجلس الشعب على كثرتها أملاً ليس أكثر , متيمنينَ بالجملة التي يرددها مثقفو سوريا بكثرة (محكومون بالأمل ) ...
يقول ابوشادي : أشعر بفجوة كبيرة بين ما أتقاضاه و ابذله من جهد , لكن ليس في اليد حيلة , فإبرام عقد حقيقي مع صاحب العمل امرٌ شبه مستحيل , لان ذلك سيلزمه تسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية , و حتى لو سجل بعضهم لاتقاء التفتيش , سيسجلهم برواتب وهمية لتخفيض المبالغ المدفوعة لقاء التأمين , و إذا ما عاجبك (ضروب راسك بالحيط) ...!
و يكمل ابو شادي و سيجارة الحمرة الطويلة - دخانه الوطني المفضل- بين إصبعيه قائلاً : بالنسبة لشادي ركوب الدراجة الهوائية و السير بها بين أزقة حارتنا الفقيرة هي قمة المتعة , و في المقابل أبناء أغنياء المدينة سئموا من (النملة و التمساحة ) و " ما بعرف شو" ... حارة ابوشادي .... يكتنفها نباح الكلاب ليلاً , و نباح الجوع نهاراً , و بين الصبح و الليل ينزف ابوشادي العرق ليؤمن الخبز و الزعتر حالماً بمستقبلٍ أفضل ....
بعد يومين من لقائنا ابو شادي , اتصل ليقول ( سرقت دراجتي و ما عليها ليلاً ...!)
في المقابل اشتغلت الأوساط الصحفية السورية بالخبر الذي سُرب عن عزم الحكومة السورية , التقشف في رفاهية وزرائها و استبدال سياراتهم (المرسيدس) بأخرى (لكزس 2007) , فمصاريف الأولى كبيرة و أصبح أسطولها قديم , و بالتالي تحتاج لإصلاح متكرر ... و لم ينسَ القرار المسرب التنويه إلى ضرورة العمل على خفض نفقات البنزين و الزيت من خلال توحيد سيارات المراسم لدى رئاسة مجلس الوزراء و إرسال السيارات للوزير" المحتاج " حسب مقتضيات المصلحة العامة ....!
أبوشادي و قبل أن تسرق دراجته كان يحلم بالتالي ( استدين و اجمع كل ما استطيع لاشتري "سوزكي" موديل السبعينات فسعرها لا يتجاوز /70/ الف ليرة سورية - /1400/ دولار - , يجب أن نترفه , بس الرفاهية بالبلد عنا عليها ضريبة .....! ) ..
إلا أن هذا الحلم الوردي سرق مع حلمه الحقيقي دراجته الهوائية .... !
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية