عفوا حازم نهار..ليست "التجربة والخطأ"

كعادته، يحاول حازم نهار إلغاء تسقيف العقول وكسر الموروث والمتداول، ليفتح كل حين، الباب واسعاً للتفكير والجدل، على اعتبار " أهم شيء ألا تتوقف عن السؤال" ومنه، رمى أخيرا "الحكومة المؤقتة ومنطق التجربة والخطأ"، عازياً جل ما يجري من تخبط ومراهقات إلى منطق التجربة والخطأ في العمل السياسي، أي طالما لم ننجح هنا وتنجح تلك التجربة، فلنعيد التجربة هناك، بوجوه جديدة وإن لها الذهنية ومنطق التفكير ذاته.
الفكرة التي رماها نهار للتداول والتفكير على درجة كبيرة من المنطق ودرجات من الوافع والواقعية، فالذي يتابع أداء المعارضة السياسية مذ أعلنت عن نفسها كقوى، فرادى بداية وتنظيمات أخيراً، بُعيد آذار 2011، وهي تدور ضمن الفلك نفسه وتعيد الأدوات والطرائق ذاتها، وكأنها لم تسمع بـ"الجنون هو أن تفعل ذات الشيء مرةً بعد أخرى وتتوقع نتيجةً مختلفةً".
بيد أن نهار أنكر أو تناسى الدور الخارجي وتأثيره على معارضة لم تعرف منذ البداية أن تسوق استقلالية ووعيا سياسيا، ولم يصل فرسانها للتعامل مع "الداعمين والأصدقاء" بقوة وندية، على اعتبار تبادل مصالح، وليس وفق الاستعطاف والتسول كما كانت وتكون وستبقى.
قصارى القول: لماذا لم يؤتَ بالإعلاميين إلى حقل الإعلام المعارض ولم تصدر وسيلة إعلامية واحدة تعبر عن السوريين وتسوق الثورة ورجالاتها، بمهنية واحترافية كما هي دونما زيادة ولا نقصان؟!
ألا يوجد إعلاميون مختصون معارضون لنظام الأسد، سواء ممن انشقوا عن النظام، أو ممن هربوا للبحث عن ذواتهم وأرزاقهم من ذي قبل، قادرين على قيادة المرحلة إعلامياً ليبعدوا تحكم"قنوات الدم والتحريض" عن اعتبار القضية السورية مجرد عنوان في نشرة وقتلاها أرقاماً ليس إلا؟!.
والأهم لماذا فتح الغرب والشمال، ومن يؤتمر بأمرهم من معارضين وعرب، الباب على مصراعيه للهواة و"النشطاء" فأغدقوا عليهم التمويل وسخروا لهم منظمات داعمة وأحزاب واهمة ليزيدوا تشويه الحالة برمتها، ليوصلوا معاً، بخطاب وتزامن أن ما يجري في سوريا، ما هو إلا عبارة عن حرب أهلية ونكوصية وثأر..أو صراع على السلطة في أحسن الأحوال.
ألا يوجد ساسة سوريون معارضون، إن إبان الثورة أو قبلها، قادرون على قيادة المرحلة بشكل لا يسيء لأسباب الثورة ومطالب الثائرين ولا يتاجر بدم وجوع السوريين، ولماذا يتم إقصاؤهم، أو إدخالهم في شبكة وصيرورة بحيث يركنون، إن بعفل التوريط أو الأمرالواقع..أو حتى تحت ضغط العيش وأعباء الحياة وأكلاف التهجير ؟!.
لماذا تركز تمويل التسليح باتجاه تنظيمات بعينها وجماعات محددة، ممن يوصلون الجميع لهدف أن الثورة إسلامية و سوريا مقر "الإرهاب والتكفير" وتم القصاص من المنشقين المتخصصين، لدرجة عمل ضابط أمير في الجيش لدى أمير في طريقة دينية، أو وضع الضباط في مخيمات أقرب ما يكون للإقامةالجبرية؟!
لماذ ا ولماذا لا تنتهي، ولا أظن أن الظروف أو المصادفة، أو حتى السوريين أنفسهم الأسباب الوحيدة وراء ما جرى، لأن ما يجري، إنما يؤكد قصدية في تشويه الإنسان السوري وضرب الذهنية المؤسسية وقتل التخصص والمقامات، ولا أعتقد من "نظرية المؤامرة" في هكذا طرح، لأن مئات آلاف السوريين قتلوا قبل الكيماوي وجل الوسائل جنحت عن سياستها الإعلامية التي بدأت بها مع الثورة وتحوّل معظم "أصدقاء الشعب السوري" إلى تجار بقضيته لإعتبارات كثيرة، إن بدأت من محاصصات لا تنتهي عند اعتبار الدم السوري فزاعة وتأديباً لشعوب المنطقة كي لا تفكر بالانقلاب على أولي النعمة والأمر ...ورغم كل ذلك مازال الخبز يعطى للبناء ويعطى البناء للحداد ويؤتى
بالمهندس ليقف على باب البلّاط يطلب عملاً ويطرح أفكاره وحلوله، بحياء وصوت منخفض..هذا إن أتيح له المجال ليدلو بدلوه.
نهاية القول: إذاً، القصة على نحو ما أعتقد، ليست تجريب وحسب، بل خطة يدفع لها وعليها كي لاتقوم لسوريتنا قائمة، وما يجري يذكرنا بما يحكى عن المخابرات الألمانية عندما اخترقت مؤسسات الاتحاد السوفياتي وجندت بعض عملائها، طلبت إليهم في البداية، أن يضعوا فقط "الشخص غير المتخصص والمناسب" في مواقع قيادية ومراكز حساسة ومؤثرة، ليتحكم هؤلاء بأصحاب الخبرات والرؤى والتجارب، لأن في ذلك ضمانة لتخريب الإنسان والمؤسسات والدول.
وهذا ما نراه بحرفيته يجري منذ اندلاع الثورة، وهو لعمري أقسى مما كنا نعانيه من نظام الحزب الواحد، فهناك تعرف من هو خصمك على الأقل وتعرف كيف تتعامل معه، أما الآن، فكيف لذوي الألباب والعقول والضمائر والمشاريع أن يتعاملوا مع معارضة غدت مثل الثوم "كلها روس" وأن يتركوا لهم زمام الأمور، وهم يخربون مستقبلاً سنبكيه جميعاً كما النساء، لأننا لم نساهم بالحاضر كما الرجال.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية