مدرسة الحب، حب الأب القائد

تخرج الرفيق "أ- س- ص" في مدرسة الحب، التي كانت تُعرف باسم (مدرسة حب الأب القائد!)، برتبة منحبكجي متمرن، ولكنه سرعان ما تحول إلى منحبكجي عامل، ثم منحبكجي عامل.. بمرتبة شرف..
كان زملاء "أ- س- ص" في المهجع يريدون أن يكيدوا له، و(يطقوا له برغياً) عند المسؤولين في المدرسة، فكتبوا بحقه تقريراً أكبر من الشرشف (التنعشاوي) قالوا فيه إنه كان يستيقظ ليلاً، ويندفع خارجاً من المهجع وهو يصيح: حافظ يا حريا، حافظ يا اشتراكيا، حافظ يا رمز الأمة العربيا, حافظ حافظ.. وفي طريق اندفاعه نحو باب المهجع يصيب الصحون التي كان الشباب يستعيرونها من المطعم وقد اتفقوا مع عريف الطعام على إعادتها في الصباح بعد تنظيفها وتنشيفها، تحت طائلة التغريم.
وأضاف كاتب التقرير: إن هذا العمل يدخل في نطاق المزاودة الرخيصة، فكلنا نحب القائد، وأنا، مثلاً، كان مجموعي في الثانوية يؤهلني للدخول في كلية الهندسة المعمارية، وثمة زملاء لي قُبلوا في كلية الطب البشري، والصيدلة، ومع ذلك آثرنا الدخول إلى (مدرسة حب الأب القائد!)!
فَتَّحَت التقاريرُ التي رفعها زملاءُ (أ- س- ص) بحقه عَيْنَي ضابط أمن المدرسة (وهو الحاكم الخفي للمدرسة.. وأما المدير وأمين السر والموجهون وبقية الموظفين التقنيين فكانوا عبارة عن براويظ وديكورات لا بد من وجودها ليمشي العمل).. فرفع تقريراً سرياً إلى القيادة العليا، وبالتحديد إلى رئيس الشعبة الأمنية التي يتبع لها، شرح فيه مقدار المواهب التي يتمتع بها هذا الرفيق المنحبكجي بالذات..
ومما جاء في التقرير:
سيدي..
لقد آمن رفيقنا "أ- س- ص"، فيما آمن، بأن السيد الرئيس حافظ الأسد لا ينتمي إلى صنف البشر، وأنه، بحق، رئيس مُلهم.. ولكنه كان ينصح رفاقه في المهجع، ويقترح على الأساتذة والمتدربين في قاعة الدرس، الإقلالَ من استخدام عبارة (القائد المُلهم) في وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية والإلكترونية، لأن الأغبياء من أبناء شعبنا الصامد- وهم قلة بالطبع فشعبنا ذكي والحمد لله!!!!!!!!- سوف يستفيدون من ذلك ويؤلبون الرأي العام الديني ضدنا، وضد سيادة الرئيس.. واقترحَ عليهم الاستعاضة عنه بمصطلح (الرئيس المؤمن)، وبذلك يكون رئيسُنا من النوع الـ (شيكار بيكار)، يعني هو الذي يضرب المؤمنين بيد من حديد، وهو الذي يتصف بأنه مؤمن.. وهكذا، تضيع الطاسة، ولا يستطيع أخو أخته أن يعثر عليها في المدى المنظور.
وجاء في التقرير:
ومع ذلك، سيدي، وعلى الرغم من كل آيات الحب التي كان تتجلى في أقوال الرفيق المنحبكجي "أ- س- ص" وأفعاله العظيمة، لم أستطع أن أنتزع من نفسي الشكوكَ والوساوسَ التي كانت تنتابني حياله، فقررت أن أبقى وراءه حتى تنجلي حقيقته أمامي بما لا يدع مجالاً لأي شك.
وفي يوم من الأيام، تقدم المنحبكجي "أ- س- ص" بإجازة مدتُها أسبوع، وكتب في حقل المكان عبارة (يقضيها في حلب)!.. مع أنه ليس بحلبي! ههنا التمعت في ذهني خطة من النوع الذي لا يخر الماء، أو كما يقولون في الأمثال: خطة جهنمية! فبمجرد ما غادر هو المدرسة كنت داعساً وراءه.. سكارسا إلى حلب.
كان في حلب- يا سيدي- منحبكجي عتيق، مبدع، يعمل بصفة عضو مجلس الشعب.. وقد عُرفت عنه ابتكاراتٌ في مجال الحب لا يستطيع أن يجاريه فيها أحد..
ههنا فهمتُ أن، يا سيدي، سر اللعبة.. فقد كان منبحكجيُّنا الفتى "أ- س- ص" متأثراً بذلك المنحبكجي العتيق.. فكان أن أمضى إجازته كله وهو جالس معه في مقهى القصر القريب من سينما أوغاريت.. وحينما عاد إلى المدرسة، كانت في جعبته هتفة اقتبسها من المنحبكجي الحلبي، وهي: يا سيدي الرئيس حافظ الأسد.. يا سيد هذا الوطن..
.....
(ملاحظة: عاش هؤلاء القوم في ظل حكم حافظ الأسد ووريثه المختل عقلياً إحدى وأربعين سنة، مثل الكرار الداشرة، يسرحون ويمرحون ويعتدون على أرواح الناس وأموالهم وممتلكاتهم باسم القائد وحب القائد.. لم يخطر في بالهم.. أنه سيأتي يوم يقوم لهم الشعب ويكنسهم.. ويثبت لهم أن الوطن هو سيد الجميع..).
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية