مارست صباح اليوم هوايتي في تفقد زبالات الحي قبل ترحيلها، ووجدت ما أعجبني فعلا. فابن الفقراء، مثلي، يبقى فقير الروح حتى لو أصبح حسابه البنكي كبيرا، أو حتى لو ملك بلدا أحيانا.. وجدت طاولة مستديرة تتسع لأربعة ركاب طرنيب، أو لأربعة مقامرين، ولكن ينقصها الغطاء الأخضر، أو لأربعة متحاورين من المعارضة والنظام، أو لأربعة أقطاب عالميين مشغولوين بالهم السوري. بحثت في العلب الأخرى لعلني أجد الغطاء، ولكن لم أعثر على ضالتي.
فكرت أن استعين بأحد الاصدقاء ممن أعطاه الله من خيراته، ويملك سيارة تتسع لنقل الطاولة، ثم أعدت حساباتي: لا يوجد عندي مكان في البيت لوضعها، وعلى افتراض وجود المكان، فإن زوجتي ذات الأصول البرجوازية، سترمي الطاولة خارج البيت، وترميني معها، وهي تنتظر هذه المناسبة منذ زمن طويل فقد قرفت مني ومن فقري الروحي.
ثم تذكرت، وعلى افتراض أن زوجتي لم تنس الخبز والملح الذي بيننا، والفراش الذي جمعنا على مدى ثلاثين عاما، والأولاد الذين أنجبناهم معا، وتظاهرت بالحنان والشفقة، على عجوز من أصول فلاحية، قادته الصدف، واضطهاد فلاحي سلطوي آخر، إلى كندا، ولم ترم بالطاولة، فقد استرجعت في ذاكرتي عدد الأصدقاء الذين طردتهم زوجاتهم من البيوت، وهم يلعبون الطرنيب أو يقامرون على مبالغ صغيرة، فلم أعثر على أحد منهم، فقد أتت الثورة لتحرق الأخضر واليابس بيننا، لأن اغلبهم وقف مع النظام، وفرقتنا الأيام دون أسف مني أو منهم.
قررت أخيرا أن أكون عاقلا وأحترم شيبتي، وأن أستغني عن الطاولة المستديرة، وأن لا أفكر بلعبة الطرنيب أو بالحوار مؤقتا، بانتظار ما ستسفر عنه التحضيرات الأمريكية، التي لا يمكن الوثوق بها، واستعضت عن مشاعر الخبية التي احتلتني للحظات، بمشاعر خلقتها لنفسي فورا، وهي أنني غني بالمال والثورة، ولست بحاجة للتمسك بإحساس الفقر الذي ركبني منذ أن كنا عشرة أطفال في غرفة واحدة.
رفعت رأسي عاليا، ومشيت منتصب القامة في صباح مونتريالي خريفي مشمس، باتجاه الكمبيوتر، لأعظ عن الأخلاق والثورة والإصلاح واللحمة الوطنية والخيانة، والطرنيب.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية