لأجل حافظ الأسد خرجتُ في الثورة

أقف- أنا كاتب هذه المقالة- وقد استطاع الوريث الرئاسي المختل عقلياً بشار الأسد أن يجعل سوريَّايَ الحبيبةَ كرةً تتقاذفها الأرجل، ويتشاور في شأن ضربها العُربانُ والأعاجمُ، وأهلُ الحَضَر والمَدَر والوَبَر، أمام نفسي، وأتساءل:
كيف، ولماذا خرجتُ في الثورة؟
خرجتُ في الثورة لأنني لم أتمكن من الإجابة عن السؤال التالي: مَنْ هو حافظ الأسد؟! وكيف وصل إلى رئاسة الجمهورية العربية السورية؟ ومَنْ سمح له بحكم سوريا ثلاثين عاماً عجافاً، ثم توريثها لابنه المختل؟
وكيف ضعفت نفوسنا- أنا وإخوتي السوريون- وأجسادُنا وأحوالُنا إلى درجة أنْ أصبح بإمكان نفرٌ قليل من رجال المخابرات الأغبياء المخلصين لحافظ الأسد أن يُخرجونا من بيوتنا ودوائرنا الحكومية ويُجبرونا على حمل صوره وأعلامه وراياته والسير بها في شوارع مدننا وأزقة قرانا والهتاف باسمه حتى تتمزق مؤخراتنا من عزم الهتاف؟!
كان نظام حافظ الأسد يختار الأشخاص الأقل كفاءة، الأقل أهمية، الأق موهبة وإبداعاً، الأكثر غباء وقذارة وانحطاطاً، لملء الشواغر الإدارية والتشريعية والوزارات والمؤسسات ذات الطابع الاقتصادي، ويُمعن في اضطهاد الأشخاص الذين تلتمع منهم إشارات توحي بأنهم مثقفون أو أذكياء أو وطنيون غير مستعدين للانخراط في لعبة تأليهه وعبادته.. وقد يصل به الأمر إلى حد إزالتهم من الوجود..
لهذا نزلت إلى الشارع مع الثورة.
حدثني أحد أصدقائي الخلص، في جلسة رائقة خالية من المخبرين، عن الطريقة التي كانت متبعة في اختيار قضاة أمن الدولة، وهي التالية:
يؤتى بعدد كبير من الموالين لحافظ الأسد، ويُزْرَبون في مكان ما.. ويُجرى لهم اختبارٌ أولي في حجم (الموالاة)، وتكون التصفية بالحصول على نسبة عشرة بالمئة من الناجحين.. وهؤلاء يُخضعون لاختبارات شديدة التعقيد في مسألة الموالاة، حتى يحصل على عشر المعشار ممن يمكن تسميتهم بـ (أصانص) الموالاة على التزكية.. فيقال لهم: اذهبوا فأنتم القضاة!
ذات مرة، جيء بتسعة رجال سوريين، تنص التهم الموجهة إليهم على أنهم معادون للنظام الاشتراكي، يسعون إلى وهن نفسية الأمة، يحقرون القائد المفدى حافظ الأسد، يفكرون بتشكيل منظمة إرهابية تسعى لقلب نظام الحكم، يخططون لتغيير دستور الجمهورية العربية السورية.. وعرضت أضابيرهم على قاضيين متدربين في محكمة أمن الدولة.
اختلف القاضيان بشأنهم، إذ أراد أحدهما إعدامهم، والانتهاء من الأخذ والرد في قضيتهم، وارتأى الثاني العفو عنهم، إذا لم تثبت عليهم أي من التهم.
رفعت الدعوى إلى القاضي العتيق (الذهب العتيق) الذي يضع في رقبته عشرات الألوف من السوريين، وكان الرجل رائقاً يشرب كأساً من صاحبته، فضحك وكتب على الإضبارة:
متهمون عدد أربعة.. إعدام، متهمون عدد أربعة إخلاء سبيل.. متهم واحد مؤبد.. يتم الاعتماد على القرعة في تنفيذ الأحكام.. (القاضي الذي ارتأى براءتهم تسريح)..
لهذا خرجتُ أنا في الثورة...
عانينا، نحن مثقفي محافظة إدلب، خلال السنوات العشرين السابقة، من مخبر وضيع، أصله من جبل الزاوية الأشم.. (على ندرة المخبرين في الجبل).. كان ذلكم المخبر يجعلنا نذهب لمراجعة فروع الأمن أكثر مما تذهب الميكروباصات (السرافيس) التي تعمل على خط المعرة- إدلب.
وكنا نظن أن هذا المخبر كان يقصر تقاريره علينا نحن الكتاب فقط، تماشياً مع ضرورة التخصص في العمل! باعتبار أنه يحمل لقب شاعر! ولكننا عرفنا، فيما بعد، أنه كان يكتب تقارير بعامة الناس، وبالأخص بأبناء قريته.
في بداية الثورة علمتُ أن أهل قريته قد جَوَّلوه (أي: خطفوه)، وأخذوه إلى مكان سري، وأشلحوه ثيابه، ودهنوا مؤخرته باللون الأبيض، وكتبوا عليها باللون الأحمر عبارة: نحن رجالك يا أسد!
حينما سمعتُ بالحادثة لم أتمالك نفسي من الفرح، والامتنان لأهل هذه القرية العظيمة، فوجدتني أنزل إلى الشارع برشاقة وأهتف: الله سوريا حرية وبس!
(للحديث صلة)
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية