باسل الخطيب... على راسي حارتك يا رفيق

بينما أنا أتابع الحلقة الأولى من برنامج (تفاصيل) على قناة "سما" السورية- إعداد أدونيس شدود، تقديم ريم معروف- مع المخرج باسل الخطيب، إذ خطرت ببالي مسألة تنتمي إلى جنس البديهيات، وهي أن النظام السوري الحالي لا يمكن تغييره إلا بالثورة، وبالقوة، وبـ (السلاح والعصابات الإرهابية إذا اقتضى الأمر)!.. لأن منحبكجيته، كلهم، من دون استثناء، يتحدثون بالطريقة ذاتها!.. فإذا أنتَ أغمضتَ عينيكَ، واسترخيتَ، وجلستَ تستمع إلى منحبكجي جالس في استوديو فضائي، ثم شردتَ قليلاً، وقامت إدارة الاستوديو بتبديله بمنحبكجي آخر- على طريقة لاعبي الكشاتبين- لما اختلف عليك الأمر، وقد لا تنتبه لحدوث هذا التبديل من أساسه!..
ولأنني كنت أعتقد بأن رجلاً مثقفاً، مبدعاً، لماحاً، مثل باسل الخطيب، من الممكن أن يكون منحبكجياً مختلفاً عن منحبكجية الجوقة العريضة، فقد أصبتُ بالإحباط بسبب ما سمعتُه منه في المقابلة، وترسخت لدي تلك (القناعة- البديهية) المتعلقة بحتمية إسقاط النظام..
السؤال الأول، اعتمدتْ فيه المذيعةُ "ريم معروف" على مقالة صحفية كتبها ناقد معارض، تتضمن نقاطاً مهمة جداً حول دراما 2013، ما تألق منها وما أسَفَّ، وما كان بين بين، مع ذكر للعوامل والمعطيات التي أدت إلى ذلك.. ثم قالت له: فما رأيك؟
أدهشني جواب باسل الخطيب، حينما قال: هذا الناقد أنا لا أهتم لرأيه، لأنه ترك البلد!!.. في حين كان حرياً به أن يبقى فيها!!..
لم يشرح لنا باسل الخطيب، بالطبع، ماذا كان سيفعل هو فيما لو قرر عبد الفتاح قدسية، أو ماهر الأسد، أو حافظ مخلوف، أو جميل حسن، أو من يتبع لهم من رؤساء الأفرع الأمنية الأخطبوطية، اعتقالَ ذلك الناقد، والتنكيل به وبأسرته.. أو إماتته تحت التعذيب. المهم لديه أن يبقى في البلد!!
في سنة 1993، قدم المخرجُ الكبير هيثم حقي تسعَ لوحات تمثيلية طويلة (مدة الحلقة 90 دقيقة) تحت اسم "موزاييك"، وكان باسل الخطيب، في ذلك الحين، فتى يافعاً يعمل بصفة (مخرج منفذ) تحت إدارة هيثم، فأعطاه فرصة إخراج واحدة من تلك اللوحات.. ومنها انطلق، وأصبح يشتغل مخرجاً..
الآن، وبحسب منطق باسل الخطيب (البَلَدَاوي)، لا يحق لهيثم حقي أن يقول رأياً، حتى ولو كان يتعلق بأسرار الدراما، وإذا غامر بالإدلاء برأي فإنه لا يعتد به، لأن هيثم، وزوجتَهُ المخرجة "هالا محمد"، وأخاها المخرج السينمائي المتميز "أسامة محمد" تركوا البلد!.. وفوق الـ (منها) معارضون للنظام.. اللهم عافنا!
لم تتوقف سلسلة المفاجآت التي حققها لي السيد باسل الخطيب في مقابلته عند هذا الحد.. ففي حديثه عن الأعمال التي عُرضت في سنة 2013، والإشارة إلى أن بعض تلك الأعمال لم تعتمد على النجوم المشاهير، وإنما على بعض الشباب الخريجين الجدد، قال:
برأيي أن النجم الحقيقي هو الذي بقي في البلد! ولم يغادرها.. بغض النظر عن أهميته وقيمته الفنية!!..
(يعني راحت الروحة على فارس الحلو ومي سكاف وعبد الحكيم قطيفان.. وحتى جمال سليمان، لأنهم ارتكبوا تلك الموبقة التاريخية وتركوا بلدهم)!..
(عفواً: باسل الخطيب.. هل سبق له وترك بلده؟ من أين الرفيق باسل؟)!
مسكُ الختام، مربطُ الفرس، مربطُ الكديش، خاتمةُ الخواتيم، ثالثةُ الأثافي، الطامَّةُ الكبرى، الطامَّةُ الصغرى، الطامَّةُ المتوسطة، تكمن في اللقطة الأخيرة التي قدمها المخرج المناضل باسل الخطيب في مقابلته، حينما قال إنه كان ماراً بسيارته عند أحد الحواجز الأمنية، فنزل عسكريٌّ (بسيط)- وركز كثيراً على كلمة (بسيط)- وقال له:
مو أنت المخرج باسل الخطيب؟
قال: بلى.
قال: لو أن كل الفنانين السوريين بقوا في البلد لم يغادروها، مثلك، لما صار في البلد ما صار!
الجميل في الموضوع أن العسكري الذي قال هذا الكلام، هو عسكري (بسيط).. يعني أنه- المسكين- لا يعرف أن حافظ الأسد احتل سوريا في سنة 1970 واستوطنها بزرع ما فتح ورزق من الأذرع المخابراتية الرهيبة التي فتكت بالمواطنين السوريين، ولعنت سنسفيل أجدادهم، بقانون الطوارىء، ومحاكم أمن الدولة، والمواد التي تعفي ضباط الأمن والعناصر من المساءلة إذا مات مواطنون سوريون تحت أيديهم أثناء التحقيق!!. وحَوَّلَ لنا سوريانا الجميلة إلى جمهورية رعب وراثية، وأوصى أزلامه بتزوير الدستور من أجل تسليمها لولده الأهبل الذي شرع بحرقها بمجرد ما هتف أبناؤها بكلمة (حرية)!
في القادم من الأيام، وفي خاتمة المطاف، سنرى من سيترك البلد.. ومن سيبقى فيها يا عزيزنا باسل الخطيب.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية