لماذا خافت الفتاة الكندية من الكتاب العربي؟!
في يوم الخميس ٢٢ آب حضرت اجتماعا، في جامعة كونكورديا، هدفه التحضير للوقفة الاحتجاجية التي تمت الدعوة لها من قبل مجموعة من الناشطين السوريين في مونتريال، والذي حدد موعدها اليوم التالي الجمعة ٢٣ آب أمام أحد مكاتب الأمم المتحدة, وكان السؤال المركزي: ما هو الهدف من هذا النشاط، ولمن هو موجه، هل هو للسوريين والعرب في مونتريال أم للكنديين، وما هي أفضل الأماكن للاعتصام؟
تم الاتفاق على أن يكون الاجتماع أمام مكتب الأمم المتحدة في مركز المدينة، لأهمية الربط الرمزي بين الأمم المتحدة واستخدام السلاح الكيماوي المحرم دوليا ضد الشعب السوري.
الإعلام الكندي مهتم هذه المرة بالموضوع، وسيكون حاضرا لنقل اعتصامنا إلى الشعب الكندي عبر بعض المحطات التلفزيونية والصحف الناطقة بالإنكليزية والفرنسية، ما قد يساعد في تحريك الشعب الكندي ودفعه للتعاطف مع المأساة السورية المستمرة منذ أكثر من سنتين ونصف.. لهذا، تم توزيع المهام بين الشباب، وانصرفنا إلى بيوتنا.
اليوم التالي، الجمعة ٢٣ آب، وهو موعد الوقفة، قررت الذهاب إلى مكان الاعتصام مستخدما مترو الأنفاق، وعلى طريقة أبناء البلد الذين تجاوزوا سن الشباب وهمومه وسحر الأجهزة الإلكترونية، اخذت كتابا عربيا، كنت قد بدأت في قراءته قبل مدة من الزمن، وفكرت بمتابعة قراءته في المترو ذهابا وإيابا، فساعة قراءة هي مكسب لعقلي الذي يكاد يتجمد من قلة القراءات الجادة. دخلت عربة المترو شاهرا كتابي بيميني، على طريقة شوفوني أنا مثقف، أو على طريقة نبيل فياض أو بسام القاضي في استعراض عضلاتهم الثقافية المعادية للشعب السوري، واحتللت أول مقعد فارغ صالح للثقافة، ثم فتحت كتابي وبدأت بالتهام صفحاته. توقفت عن القراءة، عندما توجهت جارتي، في المقعد، بسؤال قائلة: عذرا على الإزعاج، بأي لغة مكتوب هذا الكتاب الذي بين يديك، فشكل الحروف أثار اهتمامي؟
رفعت رأسي عن الكتاب ونظرت إلى صاحبة السؤال لأرى عيونها المشدودة بخوف إلى كتابي، ولأرى أن عربة المترو مكتظة بالناس، وأن هناك على الأقل عشرة أشخاص يقفون في الممر، أمامي وبجانبي، ينظرون إلي بعد أن طرحت جارتي سؤالها، قلت لها مبتسما لجمالها ولبياض بشرتها الصافي: الكتاب مكتوب باللغة العربية، وهي من أجمل لغات الدينا.
قالت: هل هو القرآن؟
قلت لها: لا يا سيدتي، هناك ملايين الكتب مكتوبة بالعربية، فهل يجب أن تكون كل هذه الكتب هي نسخ من القرآن؟
لم تقل جارتي شيئا، وكانت من التهذيب أن نهضت ووقفت في الممر، وظننت أنها تحضر نفسها لمغادرة العربة، ولكن ما أثار استغرابي، أن أحدا من الواقفين لم يأخذ مكانها رغم ازدحام العربة، فنحن في وقت الذروة، والناس قد انتهت من أعمالها، وهي تتحرك في كل الاتجاهات، فلماذا لم يحاول أحد احتلال المكان الفارغ بجانبي؟
عدت للنظر في كتابي، متظاهرا بالقراءة، ولكن الواقع أنني لم أعد قادرا على متابعة القراءة أو الفهم، فقد كنت مشغولا في البحث عن سبب أو أسباب سلوك هذه الصبية، وسلوك الناس غير العادي في عدم رغبتهم بالجلوس قربي.
بدأت بنفسي، فأنا أحاول دائما "رؤية الخشبة التي في عيني قبل رؤية القشة التي في عين أخي"، وتساءلت عما إذا كانت رائحتي مقرفة ومقززة للنفس، فعادة كبار السن يهربون من الحمام وتبديل ملابسهم مما يجعل روائحهم غير العطرة تفوح، ولكنني تذكرت أنني قد أخذت حماما وحلقت ذقني وغيرت ملابسي قبل القدوم إلى الاعتصام، ليس حرصا على النظافة والروائح الطيبة، وإنما على أمل أن "أتبروظ" أمام كاميرات التلفزيون، وقد يتاح لي فرصة أن أدلي بتصريح صحفي، رغم عدم تمكني من الفرنسية أو الإنكليزية التي تتيح لي مخاطبة الكنديين، ووصلت إلى نتيجة تستبعد هذا الاحتمال.
خطر ببالي، أن السبب وراء سلوك الفتاة قد يكون الشعار الأصفر، شعار السلاح الكيميائي، المعلق على قميصي كنوع من الاحتجاج، فخافت الفتاة من احتمال أن أكون إرهابيا كيميائيا، كما أشاع بشار الأسد، وتناقلته وسائل الإعلام الغربية، فأصبح الخوف في الغرب من المواد الكيميائية مقترننا بلون البشرة الأسمر، مثلي مثلا، واللحية الطويلة و"الكلابية" العربية أو الجلباب الباكستاني، فقد نجحت "الميديا" الغربية في تكريس صورة الثائر السوري، كما أشاعها وروج لها بشار الأسد ونظامه، على أنه ذلك المتشدد الإسلامي الذي يكره الغرب وكل الآخرين المختلفين عنه، والذي يقتل على الهوية حتى أبناء وطنه!
فجأة لمع في ذهني سؤالها عما إذا كان الكتاب الذي أقرأه هو القرآن، وتذكرت أن نظراتها وهي تسأل كانت تحمل بعض الخوف، وقد يكون سبب ذلك أن الصورة النمطية التي كونها الإعلام الغربي بعد الحادي عشر من سبتمبر عن المسلم كانت مرتبطة دائما بالقرآن، الذي ُصور على أنه كتاب يحض على الكراهية والحرب والقتل، وبالتالي أصبح أي كتاب مكتوب باللغة العربية هو عبارة عن القرآن الكريم.
ومن باب الصدف والطرافة، فقط، أشير إلى أن الكتاب الذي كان بين يدي هو كتاب يحمل اسم "البحث عن يسوع"، وأن قارئ الكتاب اسمه ميخائيل سعد رغم لون بشرته الأسمر، إلا إن الإعلام الغربي، للأسف، ليس له مصلحة في عرض حقائق الأمور على الغربيين، رغم معرفته أن الحقيقة بعيدة تماما عما ما يروج له عن العرب والمسلمين.
أخيرا، وصلت إلى مكان الاعتصام قبل الموعد بقليل، فلم أجد أحدا من المنظمين إلا الصديق أحمد، ولم يأت من السوريين إلا مئة شخص، رغم وجود ثلاثين ألفا منهم في مونتريال الكبرى، للتعبير عن استنكارهم قتل السوريين في الوطن، بالكيماوي الأسدي، ولم يتم الالتزام بما اتفق عليه في الاجتماع التحضيري، من أن الكلمات يجب أن تكون حصرا بالفرنسية والإنكليزية، لأن هدفنا هو مخاطبة المواطن الكندي، فقد أبى فرسان العربية إلا أن يشهروا فصحاتهم العربية علينا، ليقولوا لنا إنهم هم رواد النضال ودعاة الحرية، علما أن خطابهم هذا لن يحسن في صورة العرب والسوريين في أعين الكنديين.
ملاحظة أخيرة، لم تقصر وسائل الإعلام الكندية في الحضور، رغم تقصيرنا، ولكنها أصرت ان تنقل الحدث كما تريد وأن تعرض، مع صور الاطفال الذين قتلهم كيماوي الاسد، صورة سيدتين صديقتين محترمتين، ليس لانهما من الناشطات المهمات، وإنما لأنهما ترتديان الحجاب، رغم وجود أخريات سافرات، والهدف واضح، وهو تكريس الصورة النمطية عن المسلمين.
فهل عرفتم، أدام الله عزكم، لماذا خافت الفتاة الكندية من الجلوس بجانبي؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية