أعلن انسحابي

بينما نحن نستفيق من صدمة ضرب الغوطة الشرقية بالأسلحة الكيماوية، إذ أخذت الذاكرةُ تعود بنا إلى الأيام الأولى من الثورة السورية العظيمة، حين أعلن المقدم حسين هرموش انشقاقه عن الجيش العربي السوري، مستفتحاً بعبارة: أعلن انشقاقي عن جيش العصابة.. إلى أن يقول: وهذه هويتي!.. وتأخذ الكاميرا لقطة قريبة للهوية التي تثبت أنه كان ضابطاً في هذا الجيش.
كان انشقاق الهرموش ريادةً حقيقية لاحتجاج الضباط السوريين الشرفاء على عملية القتل الممنهج التي أخذ يرتكبها هذا الجيش، التي بدأت على نحو خجول في البداية، وبطلقات كلاشينكوف روسية خفية، وشرعتْ تتطور، بطريقة تجريبية، (يعني النظام يجرب سلاحاً أكبر من سابقه، وينتظر رد فعل العالم، فإذا أيقن أنه ساكت ومتواطىء، يتمادى فيه، ويصبح استخدامه، دائماً، وواسعاً، وعلنياً)،.. حتى وصل إلى استخدام أسلحة الدمار الكيماوي الشامل، على نحو واسع صباح 21 آب آغسطس 2013. (بعدما جربه عدة مرات بشكل محدود)!
كانت الحرب ضد نظام الفقيه الإيراني، ونظام الأسد الوراثي، الاستيطاني، المُشَرِّش، وما تزال، من أصعب الحروب وأكثرها شراسة عبر التاريخ والعصور، إذ لم يسبق للعالم أن وقف مكتوف الأيدي، على هذا النحو البغيض، حيال شعب يبادُ بهذه الهمجية.. ولذلك فإن المرء سيرى ردات فعل الناس عليها موسومة بالغرابة، وأحياناً بالطرافة..
في أوائل شهر حزيران (يونيه) 2013، وبينما كان الائتلاف الوطني مجتمعاً في اسطنبول إذ وردت أخبار عن مجازر ارتكبتها قوات النظامين السوري والإيراني وميليشيا الإرهابي حسن نصر الله في حمص، فما كان من بعض الأعضاء إلا أن هددوا بإعلان انسحابهم من الائتلاف!!.. وكأن الائتلاف هو السبب في ارتكاب المجازر!!.. وعلى إثر ضرب الغوطة الشرقية بالكيماوي أعلن لؤي المقداد الناطق الرسمي باسم الجيش السوري الحر ومحمد الشعار انسحابهما من الائتلاف!.. وبدأ بعض الناشطين على الفيسبوك يسبون على المجلس الوطني والائتلاف والجيش الحر ورئيس هيئة الأركان اللواء سليم ادريس، وحتى مجلس الأمناء الذي اخترعه الأستاذ هيثم المالح، وولد ميتاً سبوا عليه!!
وقال أحدهم إن سبب استشهاد 1200 إنسان وجرح الألوف من السوريين سَبَبُهُ (الصَّبْغَة) التي يعالج بها اللواء سليم ادريس شعره!!.. ومع أن شعر الأستاذ جورج صبرا رئيس المجلس الوطني أبيض مثل القطن المندوف، فقد بدأ أحدهم منشوره على صفحة مجلة كش ملك الإلكترونية، بعبارة: الله لا يوفقك يا جورج صبرا!
يجبُ علينا، في الحقيقة، أن ننظر إلى هذه الحالات العصبية التي تنتاب السوريين بعد مضي ثلاثين شهراً على تغريبتهم ومذابحهم وتهديم منازلهم، بعين التعاطف والإنصاف.. فهم يعرفون أن النظام الإيراني المجرم يحاربهم واضعاً ثقله كله، وأن نظام حافظ الأسد الاستيطاني لا ينقلع من سوريا إلا بتدمير الدولة السورية!.. وأن إدارة أوباما هي من أسوأ الإدارات الأميركية منذ تأسيس أمريكا! وأن ظهور الأصوات المنادية بأسلمة الثورة السورية ودعاوى دولة الخلافة و(العراق والشام) وما إلى ذلك تعطي ذرائع قوية لاستمرار التواطؤ العالمي ضد الشعب السوري..
يعرفون ذلك، ولكن ماذا بوسعهم أن يقولوا وهم يرون إخوتهم وأطفالهم ونساءهم يُقتلون بالمئات، ويشاهدون وكالات الأنباء وهي تهب لتنقل تعبير العالم عن حقارته وجشعه وتهاونه بدمائهم؟
غَيَّرَ أحد الشبان، على أثر مذبحة الغوطة، بروفايلَه على الفيسبوك، معتمداً شعار الكيماوي الأصفر.. وكتب على صفحة " مجلة كش ملك" يدعو كافة الأصدقاء إلى تغيير بروافايلاتهم، واعتماد هذا الشعار..
إلى هنا.. كله تمام. ولكن الشاب، من فرط غضبه وحماسه، أضاف: (من لم يغير بروفايله الآن.. فلن يكون مع الثورة في يوم من الأيام.. إن هذا البروفايل، أيها الكتاب، أحسن من كل ما كتبتموه خلال حياتكم كلها)!
في الفترة ذاتها نشرتُ- أنا محسوبَكم- طرفة واقعية تتحدث عن رؤساء أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية حينما كانوا ينافقون للمجرم التاريخي حافظ الأسد، في إحدى المناسبات، في زمن قديم.
كتب لي أحد الأصدقاء التعليق التالي: أيجوز هذا يا أستاذ؟ هل يعقل أنك تحكي لنا طرفة، وبشار الأسد يضرب البلد بالكيماوي؟
قلت له: النادرة تحكي عن موضوع الكيماوي يا صديقي!
قال: قرأتُها جيداً.. والله العظيم ما فيها ذكر للكيماوي.
قلت: صح. ما فيها ذكر للكيماوي.. ولكنها تحكي عن أسبابه!.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية