الرفيق عبد الله الأحمر "منحبك"

مضت علي مدة زمنية لا تقل عن ثلاثة أشهر ابتعدتُ خلالها عن الأخبار السياسية، بسبب انشغالي بتحرير العدد التجريبي من مجلة "كش ملك" الإلكترونية السياسية النَّقَّادة الساخرة التي تورطتُ بإحداثها، وأربكتُ نفسي برئاسة تحريرها دون أن تكون لي خبرة سابقة في هذا الشأن..
وأصبحتُ، بناء على ذلك، أخجل خجلاً شديداً ممن يسألني عن رأيي بحدث سياسي بارز يتداوله الناسُ فيما بينهم، فهل يعقل أن أقول لمن يسألني إنني لم أسمع بهذا الخبر؟.. وقتها سوف يستغرب ويقول لي: كيف ذلك وأنت تطرح نفسك معارضاً سياسياً، والنظام الممانع يتهمك بالتواصل مع قنوات الفتنة الفضائية المُغرضة، ويصنفك في خانة الداعمين للإرهاب؟
من هذا الأخبار البارزة التي غابت عني، واحد ينص على أن الأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي الرفيق عبد الله الأحمر قد ذهب إلى كوريا الشمالية على رأس وفد حزبي يمثل القيادة السورية لإجراء مباحثات (مثمرة) موضوعها التصدي للمؤامرة الكونية التي تتعرض لها سورية الأسد.
أخجلني عدم سماعي للخبر، لسبب وجيه جداً يتعلق بكوني معجباً بشخصية هذا الإنسان، هكذا، لوجه الله الكريم، يعني دون أن تربطني به أية صلة، كالقرابة، والنسب، والصداقة، والمعرفة، وهو ليس ابن منطقتي، وليس ابن بلدي، أو ابن حارتي.. الشيء الوحيد المشترك بيننا هو كوننا، نحن الإثنين، من المسلمين السنة، وهذا، برأيي، غيرُ ذي أهمية، فالغالبية العظمى من سكان سوريا هم من المسلمين السنة!!
إن سبب إعجابي بشخصية الرفيق الأحمر، في الحقيقة، هو صمودُه في وجه عاديات الزمان!
فقبل سنة 1970، كانت القيادة البعثية المُناوِرة قد عينته محافظاً علينا نحن أهل محافظة إدلب، وأنا، في تلك الأيام، كنت فتى مراهقاً، لا أفهم بالسياسة مطلقاً، حتى إنني (وأرجوكم لا تضحكوا علي) كنت أظن لون بشرته أحمر!.. ليس بشكل خَلْقي، وَلادي، وإنما هو مضروب (زومين) دهان أحمر!
وحينما وُلدت الحركةُ التصحيحيةُ المباركة التي أشعلها القائدُ التاريخي الخالد حافظُ الأسد، تخلى الرفيق (الأحمر) عن العقلية المناورة، كما يتخلى المرء عن الجورب الوسخ، ونزل إلى معركة (التصحيح) المجيدة تحت تأثير الشعار الذي طرحه أبو طلال فهد بلان في إحدى أغانيه وهو (إما كاتل أو مكتول)!!.. وبقي يصحح، ويصحح، ويصحح، بلا كلل، أو ملل، أو تَوَقُّف، أو انقطاع، أو تعطل، أو غياب، حتى مات صاحبُ التصحيح نفسه!- تخيلوا- وبقي هو!..
كان حافظ الأسد، وهذا سر من أسرار وجوده التاريخي، يعيش الحركةَ التصحيحية على نحو دائم، ومتجدد، لا يعرف في (التصحيح) لومة لائم! وليس عنده في (التصحيح) يا أمي ارحميني!.. فقد ضَحّى، خلال سنواته الثلاثين، بأعز الناس لديه، لأنهم عارضوه علناً، وداس، بصباطه العتيق، على أبرز الشخصيات التي ساهمت في ترسيخ حكمه، لأنهم، في لحظة نحس، فكروا بمعارضته!..
وعجق، بالشاروخ الذي كان يلبسه في أزقة القرداحة حينما كان فتى فقيراً، فوق رؤوس عدد كبير من مؤيديه، لمجرد أنه شك بولائهم!.. وأما حبيبي عبد الله الأحمر فقد خرج من تلك السنوات الرهيبة سالماً معافى- أو كما يقول أهل حمص-: (على المَكْسَر)!
في مطلع حكم الوريث بشار الأسد، بدأت تظهر نغمة لم تكن على البال ولا على الخاطر، وهي نغمة (الحرس القديم والحرس الجديد).. وكانت علائم الكِبَرِ (العتيّ) قد بدأت تظهر على الرفيق، وكان أمر تصنيفه مع الحرس الجديد شبه مستحيل، وكان الولاء الذي ينقط من كعبي قدميه قد أحرج الوريث بشار إلى درجة لا توصف، فأمر بتركه في مصبه تماشياً مع مفهوم (الخميرة) التي توضع في العجين لكي ينضج! أو البيضة التي تُتْرَك في قن الدجاج لتغري الدجاجات بالبيض فوقها وتسمى (المُوْدَعَة)، أو، على الأقل من قبيل (البَرَكة)..
وعلى ذكر (البَرَكة).. كان بعض الناس يقولون له:
الله يطول عمرك يا رفيق عبد الله نحن (منحبك)..
فيقول لهم وهو يضع يده فوق صيوان أذنه:
آ؟ ما سمعت..
فيرفع أحدهم صوته على الآخر ويقول له:
ولا شي رفيق.. نقول لك: أنت.. فيك البَرَكة!
فيقول: أي فهمت عليك. الله يطعمنا زيارة مكة!..
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية