أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

زوادة التضامن الضائعة

وبما أن زوجتي اليوم لا تعمل، فقد اتصلت بي قائلة بحنان الأمهات: "سأرسل لك زوادة الغدا مع رامي". شكرتها، وعادت بي الذكريات إلى الوراء لأكثر من خمسين عاما مضت، عندما كانت الزوادة جزءا هاما في حياة السوريين، في مشروع الخروج للعمل في الحقول أو الورشات أو في السفر بين القرى والمدن، أكان هذا السفر قريب المسافة أو بعيدها. كانت الزوادة تعبر، في أحد وجوهها، عن التضامن الاجتماعي، فقد كانت أكثر من أسرة تتشارك في تحضير زوادة للعمال في الحقول الزراعية، أو الورشات الصناعية، حيث رجال القرية أو الحي أو الأسرة الكبيرة يعملون في مكان واحد، وهذا ما حدث معي شخصيا عندما ذهبت إلى مؤتمر جبهة الخلاص الوطني في لندن عام 2006.

وصلت دعوة إلى الجمعية الوطنية السورية في مونتريال، موقعة من السيدين عبد الحليم خدام وعلي صدر الدين البيانوني يدعوان فيها ممثلا عنها لحضور مؤتمر جبهة الخلاص الذي سيعقد في لندن. وكان أن كنت هذا الممثل. 

ولما كان الأصدقاء في الجمعية وخارجها يعرفون أنني لا أملك المال اللازم للقيام بهذه الرحلة، رغم أن أجرة الطائرة كانت مدفوعة من قبل جبهة الخلاص، فقد قرروا أن يحضروا لي زوادة السفر التي تلزمني. أحدهم قدم بدلة جميلة، وآخر قدم قميصا مناسبا، وثالث، قدم لي حذاء لم ألبس بجودته سابقا، وسيدة قدمت لي ربطة عنق حرير، لا أزال أستخدمها حتى الآن عندي أريد أن "أشوف حالي"، وأخرى قدمت نصف دزينة من الجرابات، وبعض الأصدقاء جمعوا ما استطاعوا جمعه من نقود كمصروف جيب.

ذهبت إلى الاجتماع فخورا بنفسي، وقويا بما فعل الأصدقاء من أجل تمكيني من تمثيلهم في مؤتمر جبهة الخلاص، فقد استطاعوا إحياء مفهوم التضامن، الذي حاول الأسد منذ بداية حكمه القضاء عليه بين الناس، فعمل على نشر المخبرين بين السوريين ليقضي على تضامنهم، ولكي يكون هو المرجعية الوحيدة للسوريين الممزقين.

بعد نقاشات وسهرات وحوارات جانبية ومؤامرات في أروقة الفندق وفي غرفه، اكتشفت أنني وقعت في "قفة" دبابير، فإما أن تكون مع بعضهم كي تتقي شر البعض الآخر أو سيتم التهامك من قبل الطرفين، وأن لا أحد يفكر بسوريا الجامعة لكل السوريين، وإنما بسوريا كما يريدها هو وعلى مقاسه. في اليوم التالي من الاجتماعات، وقفت لأتكلم ولأقول إن هذا المؤتمر لا يمثل كل السوريين لأن هناك غيابا أو تغييبا لأطراف سورية ولا يمكن تحقيق انتقال سلمي للسلطة في سوريا بغيابهم، وأن سوريا بحاجة لتضامن كل مكوناتها لتحقيق هذا الهدف، ولأضرب لهم مثلا واقعيا عن ضرورة التضامن الاجتماعي، لنجاح اي عمل جماهيري، خاصة وأن شعار المؤتمر كان: "الانتقال الديمقراطي السلمي في سوريا"، قلت لهم: إذا بقينا على هذه الحالة من النقاشات والاختلافات، فإنني أجزم أن حافظ السادس عشر سيحكمنا، ثم رويت لهم قصة الزوادة التي حضرها لي بعض السوريين في مونتريال، ذاكرا كل قطعة وصلتني ابتداء من الجرابات وانتهاء بربطة العنق.

كنت أنتظر نوعا من التصفيق على صراحتي، وتثمينا لتضامن الناس معي في قدومي إلى مؤتمرهم، ولما لم أسمع أي "ضربة" كف، نظرت في عيون الستين شخصا الحاضرين لعلّي ألمس في نظرات بعضهم نوعا من التشجيع، فلم أعثر على شيء منها. وكان يجلس بجانبي أحد الأصدقاء ، فمد يده وأمسكني من يدي قائلا بصوت هامس: ماذا فعلت يا "أبو عمرو"، هل تعتقد أن هؤلاء يفهمون هذه اللغة الأجنبية التي تتكلم بها؟

لقد كانت تلك الزوادة آخر زوادة أحضرها للذهاب إلى مؤتمر للمعارضة، إلى أن جاءت قبل قليل زوادة زوجتي لتفتح جروح المعارضة السورية، وأرى كيف نكرر أخطاءنا، ونساهم في تهيئة الأرضية المناسبة لخلق الاستبداد من جديد!

(144)    هل أعجبتك المقالة (152)

هادي

2013-08-13

السيد ميخائيل سعد اتمنى عليك ان تضع رؤية محددة من بعض النقاط لسورية الجديدة من خلال تجربتك الحياتية الطويلة في النضال نحو الحرية الحقيقية المنشودة لكل مواطن سوري ايا كان مشربه وكيفية عدم الخروج من دلف النظام الى مزراب الاسلمة الاجبارية ......


ميخائيل سعد

2013-08-13

الاخ هادي. ليس مطلوبا من كل سوري تكرار ما قاله الاخرون عن شكل سوريا الجديدة التي نريد، شخصيا ارى ان ما تضمنه العهد الوطني، الذي صاغة حازم نهار في الشهر الاول للثورة يعبر عن شكل سوريا التي احب، دون استبعاد اضافات عليه او تعديل. شكرا لك.


سوري حمصي

2013-08-13

ماهذه الهلوسة، ميخائيل سعد، لاعلاقة له بالفكر او بالحرية او بأي شئ يحرر المجتمع. هو يبحث ان يكتب عن حياته، ونسي مأسي السوريين اليوم. اشفق على هكذا ثوار ، من اجل مصالح خاصة. والدليل كتاباته السابقة التي لا يستطيع ولا يعرف بالأصل ان يقدم بها اي شي له طعمة .. حكي ورا حكي على زوجته وفقره ومعاناته وذكرياته. لا أدري لماذا وضعتم اسمه ككاتب عندكم، شو مابقا في كتاب ، بس لأنه حمصي؟ الله يعين.


ميخائيل سعد

2013-08-13

اظن ان هذا السوري الحمصي معه حق، فأنا موجود في هذه الجريدة لانني حمصي فقط. لقد اعتاد عقله الذي عاش في ظل امتيازات الاسد ان يرى الامور فقط من خلال الواسطة او الانتماء الطائفي. لذالك اقترح على الجريدة ان تستغني عن هلوساتي لارضاء هذا السيد!.


سمير

2013-08-14

هذا السوري الحمصي القرداحي ..... لايعني عدم الرضا عن افكار سعد بان يتم القفز الى مهاجمة شخصه والطعن بزمان الوصل التي تتابعها عن حب او كره وترك كتاباته التي يراها البعض قريبة من قلب القاريء العادي .........


حمصي سوري

2013-08-14

يثبث السيد سعد، أنه لم يفهم ماقاله له الحمصي، فكان رده بالإتهام بإنه طائفي وتابع لللسلطة. هناك فرق بين الكتابة بالعواطف واكتابة بالعقل والفكر. ماعلاقة مايكتبه سعد، بما يحدث على الأرض السورية. السيد سعد مثله مثل الكثير ، يكتب بعاطفة، وغريزة. والرد دليل على ذلك. اتحدّاه ان يكتب شئ له علاقة بمستقبل الثورة السورية، والتطرف، ومارأيه كمناضل كبير في الإمارات الإسلامية، او ماحدث ويحدث في قرى الساحل. ان يكتب عن الأب باولو. ان يكتب عن اية مدينة سورية اليوم، عن دمار حمص الكامل؟ الثورة بحاجة إلى كتاب بمستواها، قد يكون زمان الوصل من افضل المواقع التي تتحدث عن الثورة، لكن ليس جميع كتابها على هذا المستوى ومنهم هذا السعد. عدد قراء ميخائيل سعد هو 82 فقط على هذا المقال ، ألا يكفي هذا لمعرفة مدى اهنتمام القارئ ثمثل هذه الكتابات ؟؟ يازمان الوصل ابحثوا عن كتابات بمستوى الثورة، لا كتبا يدّعون الثورجية، لكنهم على المحك حكوجية ....


محرر في زمان الوصل

2013-08-14

الرقم قرب علامة "الفيس بوك" ليس عدد القراءات بل عدد المشاركات من "زمان الوصل" إلى الفيس بوك..... ،كذلك الرقم قرب علامة تويتر.....


التعليقات (7)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي