ونستمر في.. احترامي سيدي البوط
أعلنها النظام في أكثر الرسائل مباشرة ووضوحاً، فأقام، أو من في حكمه ورعايته، تمثالاً أو نصباً تذكارياً للبوط العسكري والرصاصة، وكلف محافظاً ليرفع الستارة ويصفق الحضور لما يمكن أن يدلل على فكر وحضارة وذهنية، ويكون دليلا وموئلاً للأجيال القادمة لتسترشد إن يهمها الأمر.
وقبل يوم، أو ربما في اليوم ذاته، قام القائد العام للجيش والقوات المسلحة السورية في زيارة "طيارة" وخاطفة لداريا، أيضاً ليقول، كما قال منذ نحو عام ونيف، من بابا عمرو، هاقد انتصرنا وكسرنا آخر حصونكم...والقول موصول إلى القصير فحمص فريف حلب.
ولم يفت النظام، ضمن المناسبة عينها، أن يوجه كلمة للجيش في عيده تتلخص في أن الجيش يواجه الإرهاب وذيوله، وأن الجيش أذهل العالم بصموده وقدرته على تذليل الصعاب وتحقيق الإنجازات. ناهيك عن دوره البارز في الحفاظ على الهوية الحضارية للأمة العربية والسورية أم الأبجدية ومهد الحضارة الإنسانية ...ولعل "تمثال السيد بوط " دليل على الحضارة والتحضر والرصاصة على المسامحة والتسامح.
إذاً، النظام منسجم مع نفسه وأهدافه وها هو البوط والرصاصة أدوات ومفردات..وربما رموز المرحلة، فمن قالها منذ البداية، في أكثر الشعارات عدمية ووجودية في أن "الأسد أو نحرق البلد" ها هو بعد عامين ونيف من القتل والدمار، يعيد القدسية للبوط والرصاصة، ليترك للكتاب والقلم وطاولة الحوار، طبعاً ومعهم الإنسان، حامل التنمية، أمكنة أخرى غير الساحات والبيوت والجوامع والجامعات، قد لا تكون المنافي والمخيمات وذل الغربة آخرها.
ولكن ماذا عن المعارضة التي لم ترفع شعارا وتلتزم به ولم تعلن عن رمز لتوافقه، لا لتبني له تمثالا ومن ثم تعبده أو تأكله، بل لتكُ نداً حقيقياً لمن رأى فيها منذ اليوم الأول جراثيم وجرها عنوة إلى الخيبة والدمار والسخرية.
حقيقة الأمر، ما تعيشه المعارضة أخطر وأكبر من أن يختزل في حادثة كالبوط أو بهدف كالرصاصة، لذا سآتي على مثال واحد علّي أغنم بحسنتين.
ذهنية التملك والأسبقة، وهي من الأمراض الأخطر التي طاولت المعارضة بشقيها العسكري والسياسي، وغدت سمعة وعرفاً، يمكن من خلالها إقصاء كل مفيد وإبعاد كل من لديه هدف أو رؤية، فهو لم يشارك منذ البداية ولم يعانِ من ظلام السجون ولم يُعتقل مرات.
لأقارب من خلال أسئلة، فلشدة ما بي من ذهول، أشعر وكأن "القيح وصل الحنجرة" .
كيف يتعامل رئيس الائتلاف -ليس الحالي بل جميعهم- وكيف يتعامل رئيس المجلس الوطني- ليس الحالي بل جميعهم- وكيف يتعامل المسؤول الميداني ومدير مؤسسة معارضة -أي مؤسسة- و أخص مع الكفاءات والحلول التي من شأنها الخلاص من الديكتاتور والظلم والفساد.
سأجيب حسبما رأيت وشاهدت وسمعت، ولا أزعم أن تلك هي الحقيقة المطلقة.
ببساطة يبعد ذلك المسؤول كل من قد يشكل لوجوده ومصادر رزقه وتوطيد علاقاته المشبوهة أصلاً، أية مخاطر، ويبعده بطرائق قد لم يعرف النظام السوري رغم تجاربه وخبراته، لها مثيلا.
أما كيف وصل لموقع يخوله من الإقصاء والإبعاد وربما القصاص، فهذا ليس مهماً، و"ميكافيللي" يقف مذهولاً من تبرير الوسائل التي تصل حدود البيع على كل المستويات إن اقتضى الأمر، بل والمجاهرة وأحياناً التفاخر بالبيع بمن فيه الدم والعرض والوطن.
أما إن لم يقص هذا المسؤول أو الرئيس أوالمدير أو المعني أو البائع، فالسبب محدد وقد لا يتفرع إلى حدود تشتيت الذهن.
تكون بوقاً وأداة له وليس معه، تعمل لديه ولأجل أهدافه وليس إلى جانبه لتحقيق هدف عام ونبيل، تعادي من يعاديه..أو يحسب أنه يعاديه، تسكت عن كل التجاوزات والشخصنة والسرقة والشللية والحقارة، والأخطر تبارك له ملكية المؤسسة أو المجلس أو الائتلاف، فهو الأوحد المهم والتاريخي..وإلا.
إذاً وفي منتهى الاختصار، لماذا ثار السوريون ودفعوا أثماناً من الدم والمال والمصير، ما قد يفوق أي تصور، أليس لتلك الأسباب تحديداً، أو ربما لأقل منها.
لأن الاعتراف ببعض فضائل النظام فضيلة، فالسياسة الخارجية والأمان واعتدال الأسعار والتعايش كانت متوفرة وإن بحدود، حتى وإن كان بعضها شكلانياً ليعمي العيون عن استلاب القرار وسوء العدالة الاجتماعية وسرقة حتى البلد.
نهاية القول: من لم يسكت على نظام له بعض الفضائل، وخرج عليه وهو يعلم أن الثمن قد يكون حياته، فلابد أن يحكي على معارضة مشوهة نفسياً وأخلاقياً ووطنياً، ولا يتذرع بأن مثالية الوسيلة أو إطراب الفتوحات القولية يمكن أن تعمي عن غموض الغايات أو حقارتها ...و إلا فلا نصر ولا أمل ولا صفة سوى "شياطين خرس".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية