1
قبل نهاية العام الأول من عمر الثورة، كتبت لي صديقة حلبية افتراضية أنها تعيش جحيما حقيقيا مع زوجها، فهو مؤيد وهي مع الثورة ولا تعرف ماذا عليها أن تفعل وتطلب المساعدة.
في رسالة أخرى قدمت شرحا موجزا عن حياتها الزوجية، ولم تحاول أن تداري حرجا ما وهي تتحدث عن كرهها الجسدي لزوجها قبل قيام الثورة، فقد كانت تشعر في كل مرة تكون مضطرة لتلبية رغباته الجنسية أنه يغتصبها من جديد، ولكنها بقيت صامتة لأسباب دينية واجتماعية واقتصادية.
وعرفت منها أن زوجها أحد أثرياء المرحلة الأسدية ويدافع عن ولي نعمته ليل نهار، وأنه يدعو إلى التمسك بالطقوس الدينية من صلاة وصوم وحج، ولكن في الحقيقة لا شيء يربط بين سلوكه الخفي والتدين، فهما على طرفي نقيض. فهو يغش الناس بتجارته، ويرشي المسؤولين كي يزداد ربحه الحرام. وأضافت: رغم أنه لم يمض على زواجنا ست سنوات، إلا أنني اكتشفت أن له علاقات متعددة خارج الزواج، وكان لا يخفي ذلك عني، بل يحاول أن يحدثني عن فلانة وعلتانة من عشيقاته وهو في سريري، في محاولة منه لإذلالي أكثر.
قالت الصديقة: لقد تحملت كل ذلك منه قبل الثورة، مرة بسبب الخوف، ومرة بسبب أهلي الذين كانوا يصرون على القول إن الطلاق سيسيء لسمعتنا جميعا، وبسبب الأطفال مرة ثالثة، وبسبب الرفاه الذي كنا نعيشه بمال حرام، كل ذلك كان محمولا إلى أن بدأت الثورة وبدأ النظام في قتل الناس وتهديم الأحياء، وخاصة في حمص حيث تم تهجير أهلي وأهل الحي، ثم تم نهب البيوت والاعتداء على أعراض الناس.
وكان زوجي ما يزال مصرا على موقفه من دعم النظام وتبرير القتل، فازداد الخصام بيننا، ولم يعد هناك من وسيلة للعيش المشترك، فقررت الإقدام على فعل كنت قد أجلته عدة سنوات، رتبت أموري وأمور الأطفال وسافرت إلى حمص دون أن أخبره، وعندما ازداد ضغطه على أهلي غادرت سوريا لأتخلص منه ومن هذا النظام الفاسد.
2
وفي نهاية العام الثاني للثورة، أتيح لي متابعة قصة طلاق زوجين، السيدة مسيحية الدين والرجل مسلم سني علماني بعد مضي أكثر من خمسة عشر عاما على زواجهما، وكان جميع من يعرفهما يشيد بعلاقتهما القوية وتفهمهما لبعضهما البعض. فللرجل حرية ممارسة طقوسه الدينية البسيطة والتي تقتصر على صلاة الجمعة وصيام رمضان، وللمرأة حرية الذهاب للكنيسة كل أحد. قبل قيام الثورة كان موقف الرجل واضحا، فهو ضد النظام الاستبدادي وضد السجون ومع احترام حقوق الإنسان، لذلك كان من الطبيعي جدا أن يترجم مواقفه النظرية السابقة إلى ممارسة عملية بالتضامن مع الثورة قولا وعملا، واخد يصرف مزيدا من الوقت لخدمة الثورة داخل سوريا وخارجها، في هذا الوقت بالذات الذي بدأت فيه زوجته باكتشاف اختلافها عن زوجها، وتباعد وجهات النظر بينهما ابتداء من موقفهما من الثورة وانتهاء بنوعية وجبة الطعام والموقف من الأولاد الذين أصبحوا شبابا. ولم تنته السنة الثانية من عمر الثورة إلا وقد انفصلا وأصبح كل منهما يسكن في بيته الخاص.
بقي الرجل صامتا عندما كان يسأله أحدهم عن سبب انفصالهما، وكان أحيانا يقدم مبررات لسلوك الزوجة بالقول إنها تعبت كثيرا في حياتها، وإن ضيق ذات اليد قد فاقم من مشاكلمها، وينهي حديثه في أغلب الأحيان متمنيا لها حياة سعيدة بعيدا عنه.
وكان ينقل عن الزوجة أنها لم تعد تحمل هذا العقل الإسلامي المتعصب، وأنها بدأت تميل إلى الظن بأن الحكومة السورية محقة في قتالها للجماعات الأصولية الإسلامية، الذين يريدون إعادة سوريا إلى العصور الحجرية.
وعندما يحاججها بعض الأصدقاء ويفندون لها أقوالها، وأنها إنما تعبر في هذا الكلام عن موقف طائفي، كانت تسارع لنكران التهمة، مستخدمة حجة أنها لم تكن طائفية بحياتها، والدليل أنها قد تزوجت برجل مسلم رغما عن أهلها، ودفعت ثمنا غاليا من حياتها العائلية لقاء موقفها هذا. كانت السيدة بين الحين والآخر تكتشف مندهشة أن زوجها كان مسلما!!!!
3
وأخيرا، منذ شهر تقريبا، أي بعد سنتين ونصف من عمر الثورة السورية، تحادثت مع صديقة كانت تربطني بوالدها معرفة بعيدة واحترام، وقد لفت انتباهي الجرأة التي تكتب بها، وأنا الذي عهدتها حذرة في كل كلمة تكتبها، سألتها: أما زلت في دمشق؟ قالت: لا أنا في مصر. قلت لها: وحيدة أم مع زوجك؟ قالت: لقد تركت زوجي، وأظنك تعرفه، فهو يساري علوي مؤيد، ولم أعد أطيق الحياة معه بعد كل هذه السنين، وليس بإمكاني البقاء في سوريا كي لا يحسبوني على الاسماعليين الذين أفتخر بأصولي الممتدة إليهم ومنهم، ولكن موقفي السياسي لا ينسجم مع بعض أقاربي، فقررت الخروج لأكون أكثر حرية في التعبير عن آرائي. وأريد أن أضيف لمعلوماتك أن الكثير من الزيجات المختلطة وغير المختلطة تتعرض لهزات عنيفة بسبب الثورة، بين مؤيد ومعارض.
خلاصة الكلام والاستنتاج، أن الثورة قد كشفت الغطاء عن التعفن الذي كان منتشرا في كل نواحي الحياة في سوريا، بما فيه مؤسسة الزواج، التي خضعت مثل غيرها إلى الإفساد والفساد، وكانت الثورة مناسبة لإعادة تطهيرها وصياغتها من جديد.
ومن هنا يصح التأكيد على أن الثورة كانت ضرورة وليست رفضا فقط لآل الأسد وحراميته، وإنما هي ثورة على كل شيء في الحياة السورية، ثورة لاستعادة الحرية والكرامة التي كانت مسلوبة مننا على مدى خمسين عاما.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية