بدكن حرية؟... خذوا هذه الرفسة

في سنة 2001، حينما وقع ناشطون سياسيون سوريون على بيان "إحياء المجتمع المدني" الذي عُرف يومئذ بـ "بيان الألف"، كان نصيب محافظة إدلب أربعة موقعين فقط، هم: الروائي عبد العزيز الموسى، والقاص المرحوم تاج الدين الموسى، والفنان عبد القادر عبد اللي، ومحسوبكم.
حينما وقع أولئك الناشطون (الألف) على ذلكم البيان، كانت الهمهمة، والغمغمة، و(الإشارة التي لا يفهمها سوى "اللبيب")، في سوريا ممنوعة، فما بالك بالتوقيع على بيان (خَطِّي) يُدين حقبة محروق النَّفَس حافظ الأسد، ويدعو إلى إطلاق الحريات العامة، والإفراج عن معتقلي الرأي، وإلغاء محاكم أمن الدولة، وقوانين الطوارىء والأحكام العرفية؟!..
لم نعرف- نحن الموقعين الأربعة الأدالبة- الكثير من تفاصيل ما جرى بخصوص هذا البيان (التاريخي) في المحافظات السورية الأخرى، وأما نحن، وبمجرد ما أذيع البيان، فقد استنفرت لأجلنا الفروع الأمنية الموجودة في مدينة إدلب، (بما فيها فرع الحزب!)، والمفارز الأمنية الموجودة في الأرياف (بما فيها مفارز الحزب!)، بالتعاون مع الشُّعَب الأمنية الكبرى الموجودة في (الشام) التي خاطبها سعيد عقل بقوله (أمويون فإن ضقتِ بهم- ألحقوا الدنيا ببستان هشام!)، للتصدي لنا نحن الأربعة
المجرمين، المتواطئين، المناوئين، المنشقين، التحريفيين، المتآمرين، الذين لم نطالب بالحرية (بدكِنْ حريـ يـ يـ ـي؟!)، وحسب، بل أضفنا إلى ذلك، بكل وقاحة، وصفاقة، وحقارة، وقلة ذوق، أننا نريد أن يصير عندنا، في سوريا (سوريا الصمود والتصدي): تداولٌ سلمي للسلطة!..
كان يأتي إلى محافظة إدلب مسؤول كبير، محافظٌ، مثلاً، أو عضو قيادة قطرية، أو رئيس فرع أمني جديد، وفي أول اجتماع له مع المسؤولين الصغار، والمهنئين، والمنافقين، وماسحي الجوخ، يبوح لهم بما يحمله في جعبته من معلومات قيادية سرية، وهي أن فلاناً وفلاناً وفلاناً (يذكر أسماءنا نحن الأربعة) متورطون- اللهم عافنا- بالتوقيع على بيان المجتمع المدني!!.. وقد روي عن رئيس فرع الأمن العسكري العميد أحمد حلوم (الذي اقتدى- فيما بعد- بباسل الأسد، واستشهد بحادث سيارة!)، أنه كان يحضر انتخابات لنقابة المهندسين بإدلب، ووقف، يومئذ، مهندسٌ قليل ذوق وطالب بـ (الحرية)، والإصلاح.. فقال له الحلوم: نعم نعم نعم؟ بدكن حريييية؟ بالله عليك ألست من جماعة المجتمع المدني؟!
استشعر النظام المخابراتي، الشمولي، الوراثي، الاستيطاني، المافيوي، الأسدي،.. بخطر هذا الحراك الجديد الذي يحمل اسماً جديداً لا هوي إسلاموي، ولا هو ماركسي، فاضطر عراب النظام الهدهد الختيار عبد الحليم خدام- الذي قاد عملية توريث بشار الأسد بنجاح باهر- لأن يصعد، بجلالة قدره، إلى مدرج جامعة دمشق، ليقول، ويوضح، لجماهير الطلبة، أن الموقعين على بيان الألف أناس خبيثون، يريدون جزأرة سوريا
(أي جعلها تعيش الفوضى، كالجزائر!) ومن ثم تسليمها لقمة سائغة للصهيونية العالمية.. أي والله العظيم، للصهيونية العالمية (خبط لزق)!
بعد كلام عبد الحليم خدام هذا أصبح صديقنا الروائي عبد العزيز الموسى يذهب من كفرنبل إلى إدلب لمراجعة الفروع الأمنية أكثر من تذهب إليها سرافيس المعرة! وأما المرحوم تاج فمنزله أقرب ما يكون إلى الفروع الأمنية، يعني كان يذهب- كما يقول أهل الشام- (على الندهة)، أو- كما يقول أهل معرتمصرين- (زَقْط لَقْط)، وأما محسوبكم فلم أستدع لزيارتهم سوى بضع مرات، بعدها صارت الدوريات تذهب، من أجلي، إلى شعبة الحزب في معرتمصرين بمعدل مرتين في الأسبوع، ويسألون أمين الشعبة (وهو ابن عمي)، إن كنت ما أزال مرتداً، متآمراً، مخرباً، فيحلف لهم برحمة محروق النَفَس حافظ أنني (تبت وارتجعت إلى الله!)..
وكان أكثرنا حظاً، في هذا المجال، صديقنا عبد القادر عبد اللي الذي كان يُستدعى إلى دمشق، (خبط لزق).. فيذهب، ويدفع كراء السيارات ذهاباً وإياباً من حر ماله، وذات مرة استدعوه، ونقعوه ثلاثة أيام، لأن أحد أصدقائه أرسل له كتباً من مطبوعات وزارة الثقافة السورية، بواسطة الشركة الأهلية!
كل هذا كان يحصل لأننا قلنا: نريد حرية!..
هل فهمتم لماذا صعد بضعةُ البغال من رجال المخابرات فوق أجساد فتية من الثوار، في مطلع الثورة، وداسوا عليها وهم يصيحون: بدكن حرية؟؟!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية