حياة المجاهد العسكرية بكل ما تفرضه من قسوة وشدة وتقشف وامتثال للأوامر والتزام بتوجيهات القيادة، تجد تجسيدها العملي في الصيام، ذلك لأن الصوم أسلوب قهري يفرض على الصائم منهجاً خاصاً في حياته، قوامه التقشف والحرمان والصبرعلى مرارة الجوع وحرارة الظمأ ومكابدة المتاعب في زجر النفس والتحكم في شهواتها، والحيلولة دون رغباتها، فكأن المسلم الصائم مقاتل يسمع ويطيع ويمتثل للأمر الرباني دون تردد أو تحايل. وإذا كان المقاتل يلتزم بالأوامر وينفذها تحت عين الرقيب، فإن الصائم ينفذ الأوامر دون رقابة من أحد إلا من الله الحي القيوم، الذي لا يغفل ولا ينام، سبحانه وتعالى.
وللمشقة التي يمكن أن يواجهها المقاتل أثناء صيامه معان عدة لغوية واصطلاحية، فمن معاني المشقة في اللغة: التعب، والأمر الصعب، والشدة والجهد والعناء، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للمشقة عند الفقهاء عن المعنى اللغوي، ولكن يمكن أن نستمد معنى المشقة التي نقصدها هنا من القاعدة الكلية الفقهية "المشقة تجلب التيسير".
فالأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف ومشقة في نفسه أو ماله، تخففها الشريعة حتى تقع تحت قدرة المكلف دون عسر أو إحراج.
قال صاحب "معجم لغة الفقهاء" في تعريف المشقة: "العسر والعناء الخارجين عن حد العادة في الاحتمال".
وقد قسّم العلماء المشقة في كل عبادة، إلى: مشقة متفق على اعتبارها، مشقة متفق على عدم اعتبارها، فما كان منها خفيفا فليس له إزالتها باتفاق، وما كان منها بين المرتبتين فهو محل اجتهاد واختلاف، كما جاء في كتاب "الرخص الشرعية أحكامها وضوابطها"، لمؤلفه أسامة بن محمد الصلابي.
وبعد، فإن المقاتل إذا كان في تدريب عسكري، أو كان من مستلزمات عمله بذل جهد كبير، فإننا ننظر إلى المشقة الناتجة عن الصوم، فإن كانت عظيمة يترتب عليها ضرر أو هلاك أو تلف، أو غلبة أو جوع أو عطش يخاف على نفسه منهما، فإنه والحالة هذه يُرخّص له بالفطر، وذلك مراعاة لحفظ النفس، ولقوله تعالى: [ولا تُلْقوا بِأيديكمْ إلى التَهلكة]
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية