ذات يوم ربيعي، من سنة 2013، اجتمعتْ، في فندق فخم بعاصمة عربية، أمةُ لا إله إلا الله من السوريين الذين ينتمون إلى أديان وطوائف ومذاهب وقوميات مختلفة، من رجال، ونساء، وشباب، وكهول، وختايرة..
نحن السوريين، كما تعلمون، ولله الحمد، أناس متحضرون، وعقولُنا، فيما يتعلق بالتحضر، دقة قديمة!! إذ لا نقبل أن ننتمي إلا لسوريا، وإذا أراد أحدٌ ما أن يعاندنا في ذلك، أو يجاكرنا، أو (يجافصنا)، ويطرح علينا طروحات وانتماءات ضيقة، سرعان ما نمد إصبعينا السبابةَ والوسطى، إلى وجهه، و(نشيل) عينيه، بلا خطية!
اجتمعنا هناك، من أجل الديمقراطية، مع أن الديمقراطية، في قاموسنا، شيء بديهي، لا تحتاج إلى اجتماعات، ولا إلى لقاءات، ولا إلى مشاورات.. وقَلَّبْنا الأمور على وجوهها المختلفة، مفكرين في الكيفية التي تجعل ديمقراطيتنا أحسن، وأقوى، وأرقى.
قال أحد الديمقراطيين الأشاوس: تعالوا نشكل حزباً ديمقراطياً، ونجبي اشتراكات من أعضائه، ونضع له أسُسَاً، ومبادىء، ومنطلقات، ونصدر عنه بيانات، وندون في اجتماعاته محاضر جلسات، ونعيّن له ناطقاً رسمياً، وبذلك نحافظ على وجود الديمقراطية في البلاد، الممتد منذ الخمسينيات من القرن العشرين حتى يومنا هذا..
اعترض أكثر من عشرين نفراً ديمقراطياً على هذا الكلام، وشرعوا يتحدثون في آن واحد، حتى إننا لم نفهم شيئاً من مداخلاتهم الديمقراطية، الأمر الذي اضطرَّ رئيسَ الجلسة إلى رفع صوته وإسكاتهم، ثم طلب منهم توحيد صفوفهم، وتوكيل واحد منهم لإيصال الفكرة، ففعل.
قال هذا الواحدُ: يا شباب، يا أصدقاء، يا إخوان.. نحن لا نريد أن نشكّل حزباً، ثم نقع في إشكالات تنظيمية لها أول وليس لها آخر.. نحن، في الأساس، قادمون إلى هنا من أحزاب وكتل متنوعة، القاسمُ المشترك بينها هو كونها (ديمقراطية)، فتعالوا نشكل تياراً، أو محوراً، أو اتحاداً، يضمنا نحن الديمقراطيين، وصلى الله وبارك.
قال ثالث: نحن سبقناكم جميعاً إلى هذه الفكرة، وشكلنا، منذ بداية الثورة (المحور الديمقراطي الحر)، وباعتبار أننا تمرسنا في هذا العمل، اسمحوا لنا أن نضع نحن الأسس والمبادىء والمنطلقات للجسم الذي تريدون تشكيله.. ولكن حذار يا شباب.. فقد نمي إلينا أن بيننا، نحن الموجودين هنا، أناساً مندسين.. بصراحة، نحن نشم رائحة ناس موالين للنظام (شبيحة)..
صاحت امرأة من الخلف: هذا الكلام عيب.. نحن نعرف من تقصد.. إن هؤلاء الذين تقصدهم أكثر ولاء للثورة منك ومن أمثالك..
وصاح آخر: اسمع ولك.. أنا عندي 16 سنة سجن عند حافظ الأسد، وجاية أنت تزاود علي؟ عيب..
استطاع المصلحون الديمقراطيون تطويق المشكلة، وإسكات الأصوات العالية، وتقدم أحدهم، وخطف الميكروفون من يد رئيس الجلسة رغم محاولة هذا الأخير التشبث به، وألقى علينا خطبة طويلة موضوعها الأساسي اللحمة الوطنية، والموزاييك السوري النادر، الرائع..
بعد أن هدأت الأحوال، وذهب الناس إلى الغداء، وارتاحوا قليلاً، عدنا إلى القاعة، وتوجهت الآراء إلى تشكيل فريق عمل (رفضوا تسميته لجنة نكاية بالنظام الذي يشكل لجاناً على الطالعة والنازلة)..
قال أحدهم: نشكل أعضاء الفريق بالانتخاب.. مو بدكم ديمقراطية؟ اسلكوا سلوكاً حضارياً، والجؤوا- على قولة علي عبد الله صالح- إلى صندوك الاكتراع!
رفعنا أيدينا مؤيدين مبدأ الاقتراع بالأغلبية..
احتج أحدهم: ولكن الصندوق قد يأتينا بأناس لهم جماهيرية، ولكنهم ليسوا أصحاب كفاءات..
بدأ اللغط والصياح من جديد..
تقدم أحد الحاضرين، اختطف الميكروفون وقال: اسمحوا لي بنقطة نظام.. أنا أقترح إجراء دورة طويلة ومكثفة للحاضرين هنا، تعلمهم ألف باء الديمقراطية أولاً.. شريطة أن يكون المدربون أجانب.. وبعد انتهاء الدورة، نشكل التيار أو القطب أو المنبر أو الاتحاد أو الحزب الديمقراطي الذي نحن بصدده.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية