الخيانة عبر التوريط ..النظام والمعارضة مثالاً

إن تفهّمنا تصميم من قُتل أخوه أو ابنه وانتهك عرضه، أو تهدم بيته وحلمه خلال الثورة، على المضي بها أياً بلغت النتائج، كما تفهّمنا منذ البداية تأخر انخراط الطبقة الغنية وبعض الأقليات القومية والطائفية بالثورة، لأنها مستفيدة وبلعت طعم التخويف، فكيف يمكننا تفهّم تصميم النظام "القومي الممانع"على المشاركة في المؤامرة، أو قيادتها بنفسه، وهو من كشفها، أو ادعى فضحها، منذ الأيام الأولى لانتفاضة أطفال درعا.
وإن حاولنا تفهّم دوافع أركان النظام من منطلق اعتياد الكرسي واستعباد السوريين المتأتي- الاستعباد – في معظمه من استمراء الذل وفرعنتهم لفرعون، فهل من سبيل لتفهّم استمرار النظام بالغطرسة والاستكبار، رغم وضوح الرؤية واستشفاف الأثمان، التي ماعادت لتنحصر ضمن الحدود السورية، بعد نقلها، بقصد ومشاركة لخارج الحدود حينا، وبفرض وإلزام بقية الأحايين.
في الأمس، أجرى الرئيس بشار الأسد حواراً- لأول مرة– مع صحيفة الثورة، ليرسل عبر حامل محلي–على غير العادة– مواقفه الثابتة والمبدئية، لمن يهمهم الأمر، في الداخل والخارج. والتي –الرسائل– تتلخص باختصار، أن كل ما جرى ويجري هو مؤامرة خارجية وأن العالم، كل العالم، يستهدف سيادته شخصياً لأنه مقاوم وممانع ويقف حائلاً في وجه الاستعمار والاحتلال والتقسيم وهيمنة الغرب والمشروع الصهيو أمريكي أيضاً، وإن من جديد في المقابلة، فهو تصميم سيادته على اجتثاث الإرهاب وملاحقة فلول المرتبطين
والعملاء، طبعاً مع قليل من الشرح والتوضيح، على اعتبار أن القارئ محدود الفهم والاستيعاب، أو مغرر به، أو ربما مرتبط وعميل والقائد بلغ درجة الكمال والإلهام...كما جرت العادة العلنية وليس السرية، للقيادات في المنطقة، والمنحدرة من خلفيات وراثية أو عسكرية، على وجه التحديد.
والجديد في نشر اللقاء أيضاً، أنه ترافق مع جداول توضيحية، تقول للقارئ، في مقارنة ساذجة، هكذا كانت سوريا قبل الثورة وهكذا أصبحت الآن، ليستشف كل من حاول الحصول على حقه في الحريات على اختلافها، أن ذهنية المنّة ذاتها وعقلية الاستقواء عينها، ولا من تغيير، فقارنوا واقبلوا بالواقع، أو سنواصل في حرق البلد.
الجداول أتت على كمية إنتاج القمح والفستق الحلبي وعلى عدد خريجي الممرضات وإنارة القرى النائية وتعبيد طرقها، طبعاً بعد تمديد شبكات الصرف الصحي، ولم تتطرق- للأمانة – الجداول إلى أن سيادته، أو في عهد سيادته أو تحت رعاية سيادته، يتم استنشاق الهواء على نحو طبيعي، دونما موافقات رسمية ودون احتساب نسب ضريبية.
ما أعظم هذا العيب وما أوجع تلك الخيبة، فأن ُيمنّن المواطن لأنه يعيش كما الحيوانات، بل وعليه أن يصفق للفستق الحلبي وينحني لشبكات الصرف الصحي، وُيحرق وسوريته إن فكر بالكرامة وحقه في العدالة في منح الفرص أو في العدالة الاجتماعية و توزيع الثروة.
سورية يا سيادة الرئيس لم تصل في عهدكم للكفاية في المأكل والمشرب وفي تصريف بقاياها عبر الصرف الصحي، بل سوريا كانت ومنذ عقود، أي قبل الثورة الوحيدة- 1963 – التي اعترفت بها، مدنية تعددية ومنتجة ومصدرة، وللمرأة فيها مبلغ وللعلم فيها محارب وللحريات فيها قبلات. ولا حاجة للمقارنة بين سوريتنا وعربان المنطقة، التي تأسست دولها بالتوازي مع التصحيح المجيد، ولا مجال للتشدق بالثروات هناك، لأن سوريا أغنى إنتاجاً وبشراً وجغرافيا، ولا حاجة للتمثيل، فسوريتنا ضيقة ونعرف طاقاتها وبعضنا جيداً.
في المقابل، وأيضاً بالأمس، انتخب الائتلاف الوطني المعارض- بعد فترة الفراغ السياسي والوجداني لما يجري من تهديم لسوريا وتغير لمعالم حمص- الرئيس ونوابه وأمينه العام، بعد خلافات وجولات ومشاورات خارجية في مشهد مخيّب، لا يختلف من حيث الجوهر، عن سلوك وفكر النظام. فما زال لأسبقية المعارضة دور ولمال الراعي الخليجي أهمية ولقوة المتبني الغربي والشمالي الفصل، لتكون أيها السوري النبيل، بين خيارين أحلاهما مرُّ.
قصارى القول: قلنا في البداية خيانة، والخيانة لا تنحصر فيمن يقبض ثمناً مباشراً ليقتل شعبه ويهدم بناه ويلغي أي بارقة أمل أمام أطفال بلده، بل ثمة خونة لا يعلمون- في بداية العمالة على الأقل – أنهم خائنون، بل يساقون من أرسنتهم لمستنقع الخيانة، عبر العزف على وتر العُقد والتحرر والحقوق كما بعض المعارضة، أو الدفش بحماقة نحو التخليد ودخول التاريخ من أوسع أبوابه، كما في حالة النظام، ليصبح الخونة كما الزناة الشاربين من ماء البحر...كلما شربوا عطشوا.
نهاية القول: أجل قوتان لا تقهران، قوة الشعب إحداهما، ولكن شعبا يفاضل ويفكر ويحرص على وطنه حرصه على نفعيته وأكثر، شعب يقول للمعارضة لا كما قالها للنظام، شعب يُقلع عن الغرق في مستنقع الفساد والارتباط، شعب يقرأ التاريخ ويستشف أيُّ مستقبل يدفع له لتعاد رسم الخرائط والمصائر...وشعب يتعالى عن الأنا ويبتعد عن كل الأفخاخ التي ينصبها لها أشقاء وأصدقاء الشعب السوري ومصائد المعارضة المرتبطة ثانياً والنظام الفاسد المنعزل عن الواقع أولاً ...ذاك الشعب فقط هو من يستجيب له القدر، وما عداه كما يولَّ عليكم ستكونون وعلى سوريتنا السلام.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية