حدث في سوريا الأسد

دَرَجَتْ- ضمن الحياة اليومية للبشر في سوريا الأسد- مصطلحاتٌ لا يدري أحدٌ كيف صيغتْ، أو شُكِّلَتْ، أو نُحِتَـتْ، عبر السنين،.. منها قولُهم إن فلاناً الفلاني.. (حَطُّوه) مديراً لإحدى الدوائر الحكومية!.. وإن علاناً العلاني (عملوه) مديراً عاماً لإحدى الشركات العامة! وإن فليتاناً الفليتاني (نزل اسمُه) ضمن تشكيلة فرع الحزب، أو في قائمة الجبهة الوطنية التقدمية.. إلخ.. ومن ثم يصبح تعيينه أمرا لا مندوحة عنه.
ومن المصطلحات التكميلية درجَ قولُهم: فلان نزل اسمُه كمرشح احتياطي، ثاني اسم. بمعنى أنه إذا كان المرشحُ الأساسي للوظيفة الشاغرة (مضروباً بالتقرير المخابراتي) فإن الجهات الـ (فوق) ستستبعده وتأخذ عوضاً عنه المرشح الاحتياطي ذا التقرير النظيف (نظيف نسبياً..، لأنه لا يوجد شخص تقريرُه نظيف بنسبة مئة بالمئة!).
إن المبدأ، أو القانون، أو النظام، أو بالأصح (العُرف) الأساسي لتجريد المسؤولين من مهامهم، في سوريا الأسد، قريب من تلك الرسالة التي بعث بها خليفةُ المسلمين إلى والي مدينة (قم).. وتنص على ما يلي: أيها الوالي بمدينة قُمْ، قد عزلناك فَقُمْ!.. هكذا.. وبهذه البساطة.
في "سوريا الأسد" كانت المخابرات، بعد أن تُجري التحري عن الرجل المرشح لمنصب ما، والاستقصاء، والهز، والغربلة، ورصد الإحداثيات، وتقاطع المعلومات، وبعد أن (تحط) هذا الرجلَ بصفة مدير، أو رئيس، أو وزير، أو عضو قيادة قطرية، أو حتى عضواً في مجلس الشعب، فإنها لا تتركه بحاله، ولا تجعله يغيب عن بالها،.. فقد كان هذا الذي أصبح مسؤولاً، من لحظة دخوله إلى مكان عمله، يتصبح برؤساء الدوريات الأمنية يأتون إليه حاملين في أيديهم دفاتر المذكرات التي تشبه دفاتر الديون الذي كان يمتلكه أصحاب الدكاكين في الستينيات من القرن العشرين..
وبحجة أنهم يمارسون أعمالهم اليومية، ترى أحدهم يريد منه أن يساعده في الحصول على قرض لخمس سنوات، وثانيهم يريد بضعة أطنان من الإسمنت ليبيعها في السوق السودا، وثالثهم يريد استعارة سيارة الدائرة لتنقله وعائلته، بعد الدوام، من مركز المحافظة إلى القرية أو العكس..و.. إلخ.
ولعل أطرف ما مر معي خلال عملي بصفة مفتش في الرقابة المالية بين عامي 1983 و1994، أن عناصر المخابرات في إدلب كانوا يذهبون إلى مدينة (سين)، ليحصلوا من فرع مصرف التسليف فيها على قرض له ميزة ليست موجودة في أي مكان في سورية، وهي أنه لا ضرورة لتسديد أقساطه!!.. يعني العنصر يستلم القرض ويمشي، وكل أرض تشرب ماءها!
وحينما يكون مستوى التعيين أعلى من مستوى مدير مدرسة أو مدير دائرة أو شركة، يكون التعامل مع الشخص المعين (المحطوط) أرقى بكثير من سابقتها، ففي الشام، مثلاً، لا يستطيع عنصر برتبة مساعد أول أن يذهب إلى مكتب الوزير و(يتمطرق) عنده مثل تنابل السلطان عبد الحميد الثاني، بل يرسلون للتجسس عليه أشخاصاً من مستوى عال.. كأن يرسلوا إليه صاحبَ موقع إلكتروني محسوب على الحياد الوطني، بينما هو، في الواقع، مرتبط بأعلى الشعب المخابراتية، أو يرسلون إليه رئيس مكتب، أو ضابطاً برتبة عليا.
قيل، إن أحد الوزراء الذين (حطوهم) في إحدى التشكيلات، كان جالساً وراء مكتبه، ذات يوم، وإذا بالباب يُفت؛ ويدخل منه مرافق رئيس شعبة أمنية. لم يسلم عليه، دخل، سكارسا إلى حيث يجلس، أمسك بياقته، ورفعه إلى الأعلى، ونفضه كفين أصعب من فراق الوالدين، وبصق في وجهه، وقال له:
ولاه، بيقلك (المعلم) إنك بتعرف إنت شو عامل. بكرة الصبح قدام استقالتك!
وخرج. ولم يعدْ!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية