يمتاز المهاجرون السوريون عن غيرهم من المهاجرين العرب بتماسكهم، وضبط انفعالاتهم، وإخفاء تحركاتهم ومشاريعهم، وتعاونهم، وحبهم لوطنهم، وتعاليهم عن الانقسامات الطائفية والعشائرية والقبلية، والمناطقية، وتساميهم عن صغائر الأمور وتوافهها، وإدانتهم لكل ما من شأنه التأثير على وحدتهم، ومحاربتهم لكل عمل يهدف إلى تمزيق الجالية العربية إلى أقوام ما قبل وطنية. وكل التخرصات والشائعات المغرضة التي تهدف إلى النيل من وحدتهم وأخلاقهم وشيمهم، لن تكون قادرة على استفزاز نزقهم، فهم كالبحر لا تكدر مياهه الدلاء ولو كانت ملوثة بالنفط. ولا تستطيع أن تجرهم إلى معركة لم يحددوا ساحتها وساعة صفرها، مهتدين بحكمة قائدهم المفدى الذي ضحك على الإسرائيليين في كل المرات التي حاولوا فيها جره للدفاع عن نفسه ضد ضرباتهم.
والمهاجرون السوريون مخططون بارعون، وتكتيكيون ماهرون، يتصفون بالحصافة ورجحان العقل وقوة المنطق، بعيدو مسافة النظر، وحدويون بالفطرة، قوميون بالسليقة، يتلقون الإهانة بواسع حلمهم ورحابة صدرهم، إلا عندما يتعلق الأمر بالوطن، فإنهم لا ينسون إهانة، ولا يغفرون إساءة، فيسلطون على المعتدي بأس انتقامهم ولو بعد حين، وهذا ما فعلوه عندما حطت قوافلهم هرباً من حرب الإفناء الأسدية، في مونتريال، عاصمة الفرنسيين الثانية، ورافعة لواء مجدهم الاستعماري في القارة الأمريكية، وحافظة إرثهم الفرانكوفوني في خضم بحر الأنكلوفونية.
وهكذا انبرى ذوو العزم منهم، بعد أن عُقدت لهم الراية، وآلت إليهم الولاية، وعقدوا العزم أن يردوا الإهانة بأحسن منها، والصفعة بصفعتين على الخدين لأسلاف المستعمرين الفرنسيين واشقائهم، الذين أجهضوا حلم الأمة بإقامة دولة عربية كبرى بقيادة الملك فيصل الأول، واستعمروا سوريا خمسة وعشرين عاماً، ناهبين الأخضر واليابس فيها، ولم يتركوا للمسكين رامي مخلوف ما يحرك الضرس، عندما جاء دور آل الأسد بالنهب، محاولين، دون جدوى، زرع بذور الشقاق الديني والطائفي والقبلي والمناطقي في ربوعها، ولم يرحلوا إلا بعد أن سالت الدماء غزيرة.
ولإعادة الحق إلى نصابه، وعملاً بقول حمورابي المأثور(العين بالحاجب والسن بالضرس)، اجتمع وجهاء الجالية السورية وحكماؤها، وأكثرهم لا يجتمع إلا على باطل وفراق، ووضعوا خطة الانتقام للشرف الوطني الذي اُهدر منذ عقود، يتم تنفيذها على مراحل:
في المرحلة الأولى يتم نقل الرأسمال السوري، الوطني منه والشخصي، وتسريبه إلى المصارف الاستعمارية بهدف إرباك السوق المالي العالمي. وزعزعة اقتصاد الدول الاستعمارية، وأحداث بلبلة دولية تمكننا من السيطرة على القرار المالي في هذه الدول، واستخدام أموالنا كسلاح استراتيجي ضاغط يلزم المصارف والمؤسسات الإمبرالية بإقامة مشاريع تنموية وتمويلها في الوطن، للمساهمة في تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو.
المرحلة الثانية من خطة قياداتنا المهجرية الحكيمة، ذات أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية، وتقضي بممارسة الضغط على الحكومة الكندية، لتسهيل هجرة عشرات الآلالف من السوريين، من مختلف الطوائف والمناطق، على أن لا يكونوا من المهجرين البسطاء في دول الجوار، بل من أصحاب رؤوس الأموال والخبرات الفنية والكوادر العلمية وأساتذة الجامعات والمفكرين، مما يعني، حسب خطة الحكماء، كسر الحصار العلمي والتكنولوجي والمالي، الذي فرضه الغرب علينا. كما أن وجود عدد كبير من السوريين وأولادهم وأحفادهم في جزيرة مونتريال، سيساعد على خلخلة الوضع البشري، الذي يميل حتى الآن لصالح الفرنسيين المستعمرين، هذا عداك عن مكسب ممارسة الديمقراطية التي هي مطلب السوريين اليومي.
أما المرحلة الثالثة، فتنص على استخدام نفوذنا المالي، وإجبار المصارف الاستعمارية على تقديم قروض ائتمانية طويلة المدى وبدون فوائد، إلى تجار العقارات العرب بشكل عام والسوريين منهم بشكل خاص، لبناء مستعمرات سكنية كبيرة، في جزيرة مونتريال، يتم إسكانها بالمهاجرين السوريين بعد توزيعهم حسب أديانهم وطوائفهم وقبائلهم، لا لأنهم يحبون ذلك، وإنما تنفيذاً لخطة حكمائنا القاضية بشغل هذه المستعمرات، على النحو المذكور، لذر الرماد في عيون الحكومة الكندية التي لا يرضيها الاندماج ما بين السوريين، وللتعويض عن ما تم هدمة في سوريا الأسد.
أما المرحلة الرابعة والأخيرة، والتي نعيش في جنانها الآن، ونقطف ثمارها، فإنها تشير بوضوح إلى إمكاناتنا العملاقة، وسيطرتنا المالية على المصارف، ووجودنا البشري الثقيل الوزن، الذي يلعب دوراً متعاظم الخطورة في القرار السياسي الكندي، وسيطرتها، من خلال مستعمراتنا، في مونتريال على الحركة الجماهيرية، وامتلاكنا لوسائل الإعلام. بالمختصر المفيد، بعد أن أصبح كل شيء ملك أيدينا، ولم يعد هناك ما نخشاه، بدأنا بلم شملنا، فأنشأنا اتحادات للشباب وآخر للنساء وثالث للعجائز، ورابع، وهو الأهم على المستوى السياسي، اتحاد السوريين من أصل كندي مع الكنديين الراغبين بالهجرة إلى الوطن الحبيب. وزينا جبيننا العالي بإنشاء اتحاد للمراكز الثقافية السورية في مونتريال، واتحاد آخر للأطفال من الجيلين الثالث والرابع، للعمل على توريد السلاح للجيش الحر.
أخيراً، وبعد كل هذه الإنجازات التي حققها حكماؤنا في المهجر، والتي تصيب عين الحاسد بالعمى، يحق لنا كسوريين من أصول كندية أن نغيظ المستعمر الفرنسي من أصل سوري، ونتظاهر ضده، هاتفين على أصوات الموسيقى الشرقية والنغم الأصيل، في مظاهراتنا المونتريالية، الداعمة للثورة السورية: هاربر خبر دولتك مونتريال مربط خيلنا.
* هاربر هو رئيس وزراء كندا
* لم أضع الكثير من المفردات بين قوسين للدلات على السخرية، لان المقالة كلها يجب أن تكون بين قوسين، بما فيها نحن.
* هناك خلط مقصود ما بين السوريين، المؤيد منهم والمعارض، وذلك لاختلاط أدوارهم ومواقفهم
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية