أصدقاء سورية ...لا جعجعة ولا طحين

مع أن مؤتمرات مجموعة "أصدقاء" الشعب السوري متشابهة في إحداث كثير من الجعجعة والتهويل الإعلامي، على أساس أنها ستنصر الشعب السوري وتحقن دماء أبناءه، إلا أنها تفتقر إلى " الطحين". بل على العكس تماماً، فهي عادة تتسبب بمجازر رهيبة يقوم بها بشار الأسد تحدياً "للأصدقاء" من جهة. ومعرفة بمواقفهم الرمادية والضعيفة من جهة أخرى.
يختلف مؤتمر الدوحة عن غيره من المؤتمرات السابقة إذ اختفت فيه الجعجعة والطحين معاً. فالسيد وزير الخارجية القطري كان على غير عادته عبوساً. وأعتقد أن هذا راجع لمواقف أوروبا الغربية من شروط تسليح الثوار. وأشار الوزير صراحة إلى تقاعس المجتمع الدولي عن نصرة الشعب السوري، كما ألمح إلى تباين مواقف المجتمعين من تسليح الثوار.
يدلل على قولنا، ما ذكرته الواشنطن بوست التي نشرت تقريراً اليوم يفيد بأن أوباما لا يريد إسقاط الأسد قبل إيجاد البديل، وما ذكرته الصحف الأمريكية أمس على لسان بعض العسكريين، أن البيت الأبيض يعتبر ما يجري في سورية حرباً بين حزب الله والقاعدة فلماذا يتدخل.
بالعودة إلى الدوحة، فقد أقر بعض المؤتمرين بوقاحتهم علانية. كيري الصديق القديم للأسدَين رأى أن استعمال الأسلحة الكيماوية في سورية قد اخترق الخط الأحمر الذي رسمه أوباما وهذا تصريح واضح بأن البيت الأبيض سمح للأسد بقتل مائة ألف سوري بغير ذلك السلاح.
ليس فحسب، بل اتفق المجتمعون في الدوحة على أن يقدموا" أسلحة" للثوار تعيد التوازن إلى الميدان، وفي هذا كثير من الصفاقة السياسية، فهم يريدون إحداث التوازن على الأرض وليس إسقاط الأسد. ولدى اعتراضنا على هذه الجمل الخطيرة، قالوا إن التوازن المطلوب سيجبر بشار على الذهاب إلى جنيف وتخليه عن السلطة، لكنهم لم يقدموا أي ضمانات لذلك، ولم يقدموا آليات فعلية تجبر روسيا والعدو الإيراني على تغيير موقفهما من الأسد.
في مسألة حزب الله، قلِقَ كيري وقلق المجتمعون كلهم من تدخل الحزب في سورية، لكنهم زادوا القلق إدانة وشجباً، تعلموا القلق من بان كيمون فهذا داءه المزمن، وتعلموا الإدانة من حكام العرب فهي مرضهم منذ ستين عاماً تقريباً.
المؤتمر لا يقر بإحداث التوازن على الأرض فحسب، بل لم يستضف أحداً من المعارضة السورية، إلا أن هذه الفضيحة تشمل الطرفين، المؤتمرون والائتلاف الوطني نفسه، فالأول لا يحترم الثاني ولا الثاني استطاع أن يفرض احترامه على الأول. ولعل هذا أغرب ما حدث في اجتماع الدوحة، إذ تابع الائتلاف الوطني برئيسه ومرؤوسيه قرارات المؤتمر عبر وسائل الإعلام، دون أن يكون لهم حق التدخل أو الاعتراض.
أخيراً، أعتقد أنه لم يكن على الإخوة في قيادة الأركان أن يتحدثوا عن التسليح الذي سيصلهم بهذه الكثافة الإعلامية والتضخيم اللغوي. لأن أمر تسليحهم ليس بيدهم بل بيد من اجتمع دونهم. فإن غير الآخرون رأيهم ولم تصل تلك الأسلحة وقعت المعارضة في فضيحة الكذب على الناس وإطلاق الإشاعات. خير أن نفعل ثم نقول فعلنا، فحرف السين الخاص بالمستقبل ليس جزءاً من اسم الأسد فحسب بل هو جزء من نظامه ونظام أبيه منذ خمسين عاماً.
على المعارضة السياسية أن ترفع الرأس عالياً بالشعب السوري الذي ضحي بالغالي والنفيس لإسقاط بشار. عندما توقن المعارضة أن الشعب السوري غير راجع حتى إسقاط الأسد، تستطيع أن تفرض شروطها وتحسن موقعها التفاوضي أمام العالم أجمع بما فيه لافروف وجون كيري.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية