لا لحرية الصحافة في سوريا
تحتل سوريا، للأسف، وبسبب النظام الاستبدادي القائم فيها، المركزَ ذا الرقم (153) في مجال حرية الصحافة، على مستوى العالم!.. وتُصَنَّفُ، مع البحرين واليمن، في آخر دول العالم من حيثُ احترامُها لحرية الرأي والإعلام..
لا يمكن لباحث متحمس، أو مجتهد، أو دؤوب، أو متباهٍ، أن يزعم أنه قادرٌ على الإحاطة بكافة الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، عبر عشرات السنين، بحق الصحفيين والأدباء، ولكنه يستطيع أن يضرب بعض الأمثلة، بل الأفضل أن ينتقي الأمثلة البارزة، ويترك التفاصيل الصغيرة إلى وقت لاحق.
فاتحاد الكتاب العرب، الذي وُجد، نظرياً للدفاع عن حرية رأي الكتاب، يقعد، منذ السبعينيات، في حضن النظام! وهو يضم في عضويته شخصيات تثير الغرابة مثل رفعت الأسد الذي قتل الألوف من أبناء الشعب السوري في الثمانينيات، ورؤساء المنظمات الشعبية مثل أحمد أبو موسى، وأكثر من مئة عقيد وعميد متقاعد من الجيش والشرطة والمخابرات.
وفي مؤتمراته السنوية يسمحُ اتحادُ الكتاب للأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي بالجلوس مكان رئيس الاتحاد! وخلال المؤتمر يتم الحديث، علناً، وبكل صراحة، عن المؤامرات الكونية التي تُحاك ضد النظام، ويقرر بأن مَنْ يتبنى أي رأي مخالف لرأي إعلام النظام، من الكتاب والصحفيين، يعتبر مشاركاً فعالاً في هذه المؤامرة ضد شعبه.
وكان رئيس اتحاد الكتاب العرب علي عقلة عرسان قد فصل أدونيس من عضويته سنة 1995، لأنه أبدى رأيه الخاص، ولم يتبنَّ رأي السيد عرسان، في أمر يتعلق بإسرائيل، وفصل معه السيد هشام الدجاني، وأقام (همروجة) طويلة عريضة عن التطبيع مع العدو، بقصد تخوين أدونيس، وإنهائه، ثم فصل هاني الراهب للسبب نفسه، ولم يهتم لانسحاب حنا مينه وسعد الله ونوس احتجاجاً على فصل أدونيس.
وفي بداية الثورة السورية تبنى الاتحاد موقف المنظومة الأمنية/ الإعلامية الخاصة بالنظام السوري التي تعتبر الثورةَ مؤامرة، ومن يقف معها خائناً، عميلاً، وقد انسحب، احتجاجاً على هذه السياسة كتاب كثيرون منهم علاء الدين عبد المولى وعمر إدلبي وياسر الأطرش وعائشة أرناؤوط، وفرحان المطر، وابراهيم الجبين، وابراهيم اليوسف، كما استقال قاسم المقداد وابراهيم الجرادي وغازي حسين العلي من المكتب التنفيذي للسبب نفسه.
وحينما عمد النظام إلى قتل ثلاثة من أعضاء الاتحاد هم ابراهيم خريط ومحمد رشيد الرويلي ومحمد وليد المصري، في حوادث مختلفة، لم يصدر أي احتجاج عن الاتحاد، بينما سارع إلى فصلي من عضويته لأنني أصبحتُ عضواً في المكتب التنفيذي برابطة الكتاب السوريين.
واتحاد الصحفيين السوريين ليس أحسن حالاً من اتحاد الكتاب، ولم يسجل في تاريخه حادثة واحدة تتصل بالدفاع عن حقوق الكتاب والصحفيين، وكان يوافق على منع بعض الصحف والمجلات العربية من دخول الأراضي السورية، وتمزيق بعض الصفحات من صحف أخرى، وحجب عشرات المواقع الإلكترونية، وحينما أغلقت جريدة الدومري لم ينبس ببنت شفة.
وحينما قام مثقفون سوريون، في سنة 2001، بالتوقيع على بيان إحياء لجان المجتمع المدني، وجرت ملاحقتهم، وجرجرتهم إلى الأفرع الأمنية، وحينما سجن ناشطون إعلاميون، وسُرِّح آخرون من وظائفهم بسبب التوقيع على بيان بيروت دمشق في سنة 2006، وحينما أغلقت نوادي الحوار الديمقراطي عن طريق وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بإيعاز من المنظومة الأمنية، لم يكترث اتحاد الصحفيين، ولم يصدر عنه أي شيء.
خلال الثورة بلغ قمع حرية الرأي أوجه في سوريا، فمعظم الأدباء والصحفيين المعارضين للنظام استهدفوا، وجرجروا إلى الأفرع الأمنية، ومنعوا من السفر، ثم هُجروا، وأما الذين بقوا داخل البلاد فلا يجرؤ أحد منهم على الكتابة لصحيفة أو موقع إلكتروني يصدر خارج سوريا، ولا حتى بأسماء مستعارة.
والغريب في الأمر، اللافت للانتباه، أن بعض المعارضين السوريين لم يكونوا أفضل حالاً من النظام، فقد روت مراسلة "زمان الوصل" أن أحد أعضاء الائتلاف الوطني هددها بالإعدام، لأن رأيها لم يعجبه، وبعض المجموعات المسلحة التي تدعي معاداتها للنظام، وتأييدها للثورة، قامت، من جهتها، ببعض التصرفات الشبيهة بتصرفات النظام القمعي، إذ تم الاعتداء بالضرب المبرح، من قبل إحداها، على مراسل شبكة شام الإخبارية في درعا، ومصادرة عدّته وتكسيرها، وقبل ذلك ألقي القبض على ثلاثة صحفيين أجانب في منطقة معرتمصرين، من قبل مجموعة مسلحة شاذة، وقامت مجموعة مسلحة أخرى بتحريرهم وإعادتهم إلى تركيا سالمين، واعتقلت إحدى المجموعات المتشددة الصحفي مصطفى الأحمدي، وعذبته..
هذا، ورغم هذا كله، فإن محسوبكم متفائل بأن حرية الرأي في سوريا ستنتصر.. ويستحيل أن تذهب هذه التضحيات كلها سدى.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية